المشاركات

عرض المشاركات من 2018

الإستراحة

يمكن أن يحدث الكثير في محطّات الإستراحة على الطريق السريعة. صحيح أنها مجرّد بناية بمساحة عاديّة جدّا تعادل مساحة أي قهوة شعبية بشارع صغير بمدينة.... صحيح أنها تبدو خالية، معزولة وراكدة.. يعني مجرّد محطّة إستراحة على طريق صحراوية سريعة.. قد تتوقّع أن لا شيء يمكن أن يحدث بهكذا مكان، يرتاده الناس للتبوّل أكثر مما يرتادونه للأكل أو شرب القهوة: المروحة العملاقة بالركن توحي بالملل من شدّة الغبار المزدحم بين أجنحتها الثقيلة الطاولات الصفراء، المتسّخة ببقاع الدهان والقهوة والبصاق الممسوح على عجل، تشي بسنوات من الإهمال والركود.. الهواء ثقيل. عيون "السرفور" نصف مغمظة، تتابع بكسل متؤهب مباراة الكرة بالتلفزيون. الصبيّ يسحب أرجله خلف المسحبة، ليجمع أوساخ الأرضية القابض يعد ملاليم الأمس بتؤدة العابد.. الوقت يتثائب..... لكن العمال هناك يعرفون أنه يمكن أن يحدث ما لا نتوقعه، يتسلحون بعصا ثقيلة تحت الكنتوار وسكين حادة مخفية بعناية تحت غطاء الطاولة التي تحمل الكاسة. يضعون طاولة على جانب، مرتبة بعناية  وحولها كراسي من خشب لا من بلاستيك. فوق الطاولة مزهرية، ومنفظة سجائر  وحاملة محارم

أمومة

يهمس ملاك في أذني، كمن يخشي إيقاظ وحش: -والأمومة هل تكتبين عنها؟؟ لا أكتب، أجيبه بنصف صوت، بينما يستيقظ الوحش في صدري ويفتح عينا واحدة، تلتقط كل الألم.. لم أكتمل أمّا، لا أعرف كيف تكتمل الأمومة داخلي، لا تنضج.... هي هنا، أستشعرها، في مشاعري، قراراتي وأفكاري، لكنها لا تكتمل، لا تستقل عنّي  ولا تفرض علي نفسها.. كما لا أقتلها  وأتحرر منها.... هذا الرجل طفل كبير، أحبه لأنه طفل لأنه كبير بما يكفي....  من التي تستدعيه الآن ؟ الأمومة ؟ أم أنوثتي ؟ أنوثتي تقلب شفتيها قرفا، هلا إنتهينا من هذا الفيلم السخيف ؟ كل هذا إنتاج ثقافي، لا أريده. أقول مقتنعة : لا أريده. ثم يتسلل الحنان إلى قلبي، حنان مشوه، بطعم الملح، سلطوي ومتطلب.. تلغي الأمومة ما أحبه أكثر  في البشر: إستقلاليتهم وتفردهم في التجربة حريتهم الهوجاء لا محدوديتهم.. الأمومة إستدعاء دائم للقلق، الحذر، الرعاية، الطبطبة، التلقين، التذكير بالواجبات، سقي البيوت بالطمأنينة، إغلاق الباب عن الخطر، الإكتشاف، المجهول المحفز..  ها هنا،  معلمة، لا تحب الإبتكار، منظمة تخشى الفوضى، مؤسسة عين لا تنام ترقب، تشرب الألم وتدفع الشر والسحر!

الوحدة

حين أغلقت الباب خلفه في تلك المرّة، كانت تدرك جيّدا أنه لن يعود منذ أسابيع وهي تطالب برحيله بعد أن أعلن القاضي طلاقهما كانت مقتنعة تماما أنها لا تريد العيش معه لما تبقّى من حياتها. لطالما أرعبتها الفكرة أن تعيش مع شخص واحد مدى الحياة. المنفظة فوق الطاولة لازالت تحمل دفئ سيجارته، آثار مؤخرته على الأريكة لم تختفي، عطره في الجو ريمود التلفاز لازال حيث تركه. لقد رحل لوهلة توقف كوكب الارض توقف طلق النار، توقفت الآلات الحاصدة، تجمّدت ينابيع الماء، تعلقت الضفدعة بين فضاء وهواء، تجمّدت قطرات المطر وهي تنزل سكن الكون وبدى محرّك السيارة صارخا وهي تتحرك من ركنها المعهود  وتنطلق في طريق لا نهاية له. لقد رحل... رنة الولاعة، كانت الإشارة الخفية للكون ليعمل مجددا كل شئ عاد إلى حركته. ليس بشكل طبيعي تماما، ببطئ ناعم، تحبّه نفسها. أشعلت السيجارة يجب أن تشعر بالإرتياح الآن بالتحرر. بالخفّة بالإثارة. البرد وحده يتسلل إلى أطرافها. حملت نفسها من مقعدها وجلست حيث كانت مؤخرته على الأريكة ،سرى بجسدها ما كان دفئه... -مراحل إنتهاء العلاقات:  أوك "غوغل" -كيف الغضب، أخر مراحل الشفاء.

لعبتنا المثيرة

هو صباح يشبه كل تلك الصباحات الضّاجة بالملل، إستيقظت باكرا، أعدّت الفطور ونظّمت المنزل وبقيت في المطبخ ترتّق بعض ثياب مهترئة وتستمتع إلى الرّاديو... صوت الشحرورة صباح يبعث في نفسها البهجة ولو أنها تفضّل حماسة أمينة فاخت، تأوهها في الراديو ينشّط حواسها ويجعلها تهز رأسها بمتعة وسلطنة متناسية الديكور الممل لحياتها. كان يمكن أن يكون صباحها خاليا من أي مفاجأة لولا هجمة الشاب حمدي إلى مطبخها بلا سابق إنذار. حمدي هو إبن جارتها في أخر الحي، بالكاد كانت تذكر وجهه الأسمر الهزيل، رشحته أمه لمساعدة إبنتها بالدراسة بإعتباره متحصلا على شهادة جامعية من جامعة متميزة بالعاصمة. لم تكن تحتاج إلى حجج كثيرة لتقتنع،أي جامعي مرحبّ به ليساعد الملعونة إبنتها على نجاح البكالوريا. زار حمدي إبنتها مرتين بالبيت، إستمعت إلى نقاشاتهما من خلف الباب وإطمئنت إلى جديّته برغم دلال إبنتها وبحثها عن تصيّد المواضيع خارج الدرس.. في زيارته الثّانية، في طريق المغادرة توقّف الولد أمامها مشدُوها وفي عينيه لمعة حادّة أثارت ضحك نائلة وسخريتها ونهرته بلطف: - مَخََرْ عليك، سلملي على أمّك. وكاد وجهه ينفجر من الخجل. في الأ

أليخاندرو

لا شيء مختلف هذا الصباح ، كنت أعرج نصف نائمة بحذاء بنصف كعب وأبحث بعيني عن التاكسي... الشمس شديدة وكل سيارات التاكسي تحمل إشارة خضراء والرنين المتواصل بهاتفي يلح علي : كان يجب أن تكوني بالمكتب، كان يجب أن تكوني بالمكتب. حاولت تجاهل كل شيء حولي وأخذت أراقب السحابة الصغيرة الهائمة في السماء؛ خيل إلي أنها قد تقرر أن تمطر بشكل منفرد، أو تباغتها الرغبة في التبول وتضطر إلى التنفيس عن نفسها.. تسللت بعيني إلى الأرض لأكتشف الضحية المرتقبة. أليخاندرو  بكامل أناقته يركب سيارته غير آبه بالسحابة البوالة....إنتبه أنني أنظر إليه، رفعت عيني بسرعة إلى السماء، رفع عينيه بدوره، السحابة فوقه تماما، أفلتت مني ضحكة صغيرة وأنا أتخيل السحابة تتبول فوق رأسه وتبلل ثيابه الأنيقة. أحسست فورا بالذنب لهذا الشر المجانى. إبتسمت لاليخاندو معتذرة، أجابني بإبتسامة مشرقة أثارت خفقة ببطني: يا قلبي الصغير، متى تتوقف عن هذا الضعف أمام الضحكات الجميلة أجابني قلبي بخفقة أخرى.... توقف المشهد عند هذا الحد، أليخاندرو ثابت لا يصعد سيارته ولا يتوجه نحوي مكتف بإبتسامة ثابتة...  أنا شبه نائمة وسط الطريق أبتسم ببلاهة لغريب

نقص الحب

هذه الهرسلة اللطيفة السامة التى إسمها نقص الحب، سأوجهها لرجل مسكين، أعرف أنه مسكين، أهرسه بكل عنف الفقد داخلي وشهوة الإكتمال، وأنا أعتذر له عن كونه مسكين  ومفعول به، وأحرّضه سرّا ليتحرر....  يشبه الأمر أن أضرب شخصا بيد وأحثّه أن يهرب أو يردّ الضرب بيد أخرى...  ويتواصل العنف.. أراقب نفسي مخبر التجارب، وتبهرني ما آلت إليه أنوثتي الدامية....  كلّ هذا داخلي وسأعيش به ولا سبيل لمواجهته إلا بلعبة التقيّء التي إسمها كتابة.... في مساءات حميمية تاكد أن تكون مكتئبة ، لا يحمل الشتاء أي لقاح ممكن، كأس بويضاتي يخز جلدي بغضب، ليفكّرني أنني فشلت في تلقيح بويضة، ربّما للمرة المائتين وثلاث وأربعين على التوالي...... هناك من يضحك من دقّتي، كثيرات تعرفن أي دقّة مهووسة لهذا الجسد العجيب الذي لا يعرف النسيان، أي لعنة مثيرة للسخط والجنون أنه لا يعرف النسيان..... تقول دراسة أن المرأة تسجّل الجينات الوراثيّة لكل من عاشرتهم، أنّ جودة جيناتها التي تنقلها لأطفالها مرتبطة بمدى سعادتها وتحقّقها، أن المحضوضين هم أبناء السيدات السعيدات اللاتي تعرفن صيد السعادة لأجل أبنائهن.... أن يجب ربما أن أتجاوز نفسي ل

الطفل "ك"

السيدة "س" تسكن في المنزل الأرضي  رقم خمسة بشارع الهادي نويرة.. السيدة "ن" جارتها التي تشتكي تصرفاتها كل يوم ... الجميل في هذا الحي أنك تظن لوهلة أنه من أهدأ الأحياء التي تدخلها يوما وهذا ما خُيل لي لكن ما أن تسكنه سترى العكس تماما يسكن السيد "م" الطابق الثاني  وهو والد السيدة "س" السيد "م" والسيدة "س" على خصام دائم وعلى صراخ معظم الوقت ..يملك السيد "م" موتور صغير، الجميل فيه أن مع أول دخوله للحي يبعث صوت زمور وكأنه يقول للحي ها قد وصلت فليعلم الجميع ومع ركنته للموتور ينادي السيدة "س" بأكثر من مرة وبصوت عالٍ تتعمد السيدة "س" عدم إجابته كأنه تقول ليرفرف إسمي في هذا الحي البائس ... السيدة "ن" و السيد "ح" متحابان منذ خمسة سنوات، تعرفا على بعضهما البعض في إحدى الأمسيات الصيفيّة ببنغلادش وقررا منذ ذلك الحين أن يعيشا معا.. كل صباح يستيقظ السيد "ح"مع الساعة السادسة صباحا، يقرأ الصحف ويشرب قهوته وينطلق إلى منزل السيدة "ن" يفتح الباب لأجل أن تخرج القطّة إل

لستُ حامل

تأملت وجهى مطولا في المرآة بحثا عن أي حبّة تطلّ برأس ممتلئة، يثير إفراغها ما يثيره تقيئ سريع أو بكاء عاصف بشرتي صافية.... ألمس جسدى بقلق، هذه الطمأنينة الغريبة من أين لكِ ؟ ماذا تخفي ؟؟  هذا الصّمت السّاكن مثير للقلق.. مرحبا ما بكِ !! المفترض أنه اليوم الأول في العادة الشهرية..... المفترض أن عاصفة رعديّة تمرّ من هنا...المفترض أيضا أنّ حبّة متوهّجة تزيّن وجهي لأجل إعلان العاصفة.... جسدى هادئ، بشرتي ناعمة، أكاد أكون جميلة.... أكاد أكون جميلة قبل يوم من العادة الشهرية، هذا مؤشر لا يدعو للإطمئنان، أمعن الإنصات إلى جسدي، ظهري لا يؤلم، لا ضغط يدهس عظامي، لا تشنّج ينهش أعصابي، لا أرغب بالعراك، لا ألاحق الاكل.. ألمس جسدي في قلق،أجبني أيها السافل، هل فعلتها ؟؟ جسدي صامت..... أشعر بالخوف البارد يتسلل إلى قلبي.... جسدي لا يجيبني....حدسي يطمئنني لستُ حامل، لستُ حامل لا يمكن أن تكوني حامل.... عقلي يحسب ويضرب  ويطرح....لا يمكن أن أكون حاملا. أعود إلى وجهي لأبحث عن أي بثرة، حبّة، عن أي شحوب يهدّأ روعي... يا آلام ظهري إستيقظي...!! لا دليل لا إشارة هو فقط جسدي يريد أن يحبل من نفسه..

ولدتُ في الريف

وُلدت في الرّيف وهذا لا يعني شيئا , فقد كنتُ أتعطّر بعطر أمي الذي تخبأه من وقت زواجها ....طبعا كنتُ أضع كرسي أصعده لأصل لمكان العطر ..  قبل أن أخرج للّعب مع أترابي, وحين تهطل أمطار الشّتاء الغزيرة  ويوحل مسلك بيتنا الصّغير , كنتُ أرفض رفضا قطعيّا إرتداء حذاء مطاطيّ قبل الخروج إلى المدرسة وكنت أرفض رفضا قطعيا أن أخرج بدون أن تعمل أمي ظفيرة لشعري  تضع أخره عقدة شعري البيضاء وعادتا ما تكون على شكل فراولة...  المدرسة تبعد خمسين مترا فقط عن منزلنا , في الحقيقة, حتّى لو كانت تبعد آلاف الأمتار, فأنا لا يمكن لي إلّا أن أرتدي حذائي الذي أتعمد أن يبقى جديدا مدى الدهر  يقظة بما يكفي كي أحاذر الأوحال.... كنت ومازالت أرى صورتي عن نفسي عظيمة بما يكفي كي أكون دائمة الأناقة والأنفة ولذلك فإنّ العقاب لا ينفع معي ولا يمكن لك سوى أن تستسلم أمامي في النّهاية سواء كنتَ أبي أو كنت أمّي أو كنت السفّاح الذّي يخطف الأطفال غير المطيعين ، ولدت في الريف وأمّي كانت تسمّيني الشخصيّة, فهل تحتجّ ؟..  في المدرسة لا يمكنك أن تتعمّد إحباطي فأنا طفلة فطنة  ومؤدّبة وعليك أن تحترم ذلك , إن أردت كسر أنفي بسبب أنّني

ربما

أحب أن يكون لي أباً مختلفا عن غير ذلك الذي أملك رجل أستطيع الفكاك منه عندما أرغب ولا يربكني خوفي عليه كلما كنت بعيدة... أحاول أن أهرب بفوضى حياتي إلى حيث المعقول رجل أستطيع أن أبرر نسياني له لأنه مثلا كان يتركني وحيدة مع خوفي في المنزل في وقت متأخر رجل إنشغل عني،رجل لم يكن صديقي..... كنت أرغب حقا لو أن لي أباً مختلفا لن يفجعني إحتمال رحيله كل لحظة واحدة لا أهرع كل مرة  لألمسه كي أتيقن وجوده،رجل أستطيع أن أعانقه دون شعوري بأني أفقد أصابعي كل مرة فتصبح المعانقات خوف.... أحب أيضا لو أني كنت أملك أما مختلفة،أما لا أحمل وجعها وهمها على ظهري وأتنقل به إلى كل مكان أقصده أما لا أحاول تجسيد صورتها في كل شئ تنبعث منه رائحة الحنان ،أما ألتقي بها وحين أفشل في إيجادها أهرب بينما أعانق شعوري بفقدها في كل لحظة .... مربك القرب ومضعف لهذا أغلب أصدقائي بعيدين وأحبهم لأنهم بعيدين هذا سهل لا حاجة للإبتعاد أو الهرب،نتشارك الأحزان عن بعد نتشارك الضحكات عن بعد ونقول لبعضنا بين الحين والآخر أشياء مثل كم هو رائع أن نكون أصدقاء أو كل تلك المسافات حيلة،وهم هناك ما يكفي من الخيال لإستبدال المعانقات بأغن

روتين

أعمل سكريترة بجريدة ورقيّة تعاني من مشاكل في التوزيع... أو على الأغلب لأن المدير أصلع.. مديرى قبيح وجشع، أحتمل غصبا عني  تذمّره الدائم وإدّعائته بالمعرفة ولا أطيق كحّته المختنقة بالبلغم وصوت ضراطه المتبجج حين يدخل الحمّام.... على الأغلب لأن الحمام به صدى.. أنا إمرأة متوسّطة، من عائلة متوسطة، من بلدة صغيرة تقع في الوسط الغربي للبلاد لا أعرف حدودها. ذكائي كاف لأنجح بإمتحان الثانوية العامة وأتدبر عملي وأدير راتبي الصغير بلا ديون، لكن ليس كافيا لأفهم كل التعاليق التي يضحك عليها الناس ولا أسباب خصوماتهم... في المكتب يعتقدون أنني غبية لأجل أنني لا أعرف كيف أشارك بالنميمة...  لا شئ يدعو للإهتمام بوجهي، مؤخرتي مسطحة، ردفاي ليسو بالممتلئين، لي صدر ممتلئ  وكرش صغير....هناك أمر ما بجسمي لا أحبّه وأمر ما مثير للحنان.. يجعلني أحتضنه كلعبة. حياتى بسيطة وبطيئة، انا صبورة جدا لكنني أكره حياتى وأكره عملي، خصوصا مديري الجشع.... كلّ صباح أنظر عبر النافذة إلى الأفق البعيد، أتأمّل الطيور السارحة في الفضاء وتهادى السحابات في مملكة سمائها ... وأهمهم إلى نفسي: ذات يوم، سأرحل من هنا إلى أرض بعي

عائلتي المشتهاة

لطالما حلمت بعائلة تسبح في حوض الحمّام... حسناً عائلتي المشتهاة لها خمس بنات، أحببتُ دائما وأبدا أن نكون خمس بنات، كل بنت بمقاس وكل بنت بطعم وشكل وبها ثلاثة أولاد كلّ الأولاد بذات الشكل وأنا الكائن الضئيل في الوسط... عائلتى المشتهاة صاخبة وسعيدة، الجميع نشيطون ضاجُون وأنا وحدي كسولة منسيّة.... حسناً: أختي الأولى ذكيّة، تصححّ أعمالي الدراسيّة وتحضر لأجلي المقابلات، تحكي لي كل الأساطير والعلوم وتعلّمني كيف أقرأ الكف.... الثانية تعرف أسرار الموضة والجمال  وكيف تُقوّمْ الحواجب بخيط رفيع لا يترك أي أثر.... الثالثة لئيمة، تحفظ الأسرار، تحمينا من فخاخ الأنذال، وتنقذ علاقاتنا من الفشل.. الرّابعة حنون كنهر، قلبها مسبح لعائلة كبيرة،أكولة تحبّ الطبخ، تعرف كيف تطعم الحمامات الخائفة وكيف تستخرج  العطر من زهور الزينة. الخامسة راقصة، تأخذنا معها للديسكو  وتسكب الكحول في كوؤسنا دون أن ننتبه، تضحك بصوت عال حين ترى الدوخة المذهولة في عيوننا وأجسادنا الصغيرة تتساقط رقصا، تعلمنا كيف نضغط بشفاهنا على المرآة، كأنما نتدرب القبل. لي أخْ في إيطاليا يرسل لأجلنا ثيابا زاهية ومثيرة، نباهي بها ب

بداية نص

هذا الصباح إكتشفت السعادة لقد تأخرت قليلا عن العمل, تعثرت وأنا أطلع الدرج وعطست فى وجه الحارس وهو يقول صباح الخير لكن كل ذلك تفاصيل صغيرة، لا تهم أحدا وأنا أسقط في أخر درجة إكتشفت أن العمر هو مجموع التفاصيل الصغيرة التي لا تهم أحدا سوى الأقرب إلينا من الروح.. توقفت لأفكر بهذا كان ذهني بطيئا وكسولا الشمس كثيرة الهواء ندي أوراق الشجرة ، تسقط بهدوء مستفز والكون صامت خاشعة أُتمتم وأفكر بم كانت تحلم الأوراق الخضراء ؟  هل كان سقوطها مؤلما ؟ هل هذه فكرة جيدة كفاية ؟ ذكية ، مجدية ؟ هل يمكن أن تكون بداية نص جيد ؟؟ ذهني الكسول لا يجيب.. الشمس كثيرة الهواء ندي  الأوراق الصفراء المسجية جميلة تقطر ندى يا ربي محلاها ! جمالها يغمرني حد الإمتلاء،حد الشبع حد التخمة،حد الإختناق يستفزني أن أسقط مثلها وأنتهي "ربما ، مجموع التفاصيل الصغيرة ,التي نتيجتها عمري ,لا  تهم أحدا لكنني حين أموت ، سأكون ورقة ملونة  وجميلة في حياة أحدهم أجل هذا طموحي ! لقد وجدت أخيرا هدفا واضحا حين أموت ذات يوم ، سيكون مجموع التفاصيل الصغيرة التي لا تهم أحدا ذبذبة ألوان جميلة.. سيتوقف عندي ال

رهانات

أكره الخطورة، أكره الخطيرين. أكره أولئك الذين يحتاجون ثيابا رسمية فائقة التكلّف والتكليف لأجل أن يبدوا جدين فيما يقومون به. أكره الأعمال التي ننفق لأجل تحضيرها ضعف ما ننفقه لإنجازها، فقط لأجل تبرير وإثبات أهميّتها وإعلان جدواها. أكره أولئك الذين يحتاجون لقول عبارة حب واحدة، إختبارات كثيرة ومحن معقّدة، تجعل التعبير عن الحب لائقا لأجل إستحقاقه وإثبات قيمته... أكره الطقوس الثقيلة في العلاقات لأجل أن تبدو مهمّة وجدّية وذات معنى... لا أصدّق الخطورة ولا الخطيرين،ينتاتبني الضحك بأشد الإجتماعات أهمية لأحدهم لمجرّد تخيله مرتبكا وهو يقابل أم حبيبته للمرة الأولى، أو حين يكتشف أن أمه تخطط لتزويجه رغما عن أنفه وإسترسل في الإستماع لكل الحجج التي ستلبس ذات الخطورة والسخافة التى تبدو عليها حججه لأجل بيع منتوج لا جدوى له. تصيبني الأعراس الفخمة بالكآبة من هول الإستجداء المستميت لخلق أي معنى وإعادة تصوير خيال بالٍ، أكثره مستوحى من كليبات روتانا في مرحلة ما قبل اليوتيب...... وأستمتع بتخبّل جلسات الطلاق وردّات فعل العائلات الباذخة سعادتهم الرّسمية.. الرجال الذين يتراهنون في المقهى مضحكون، م

رفيقي

حديثي مع طفلي الذي لا يوجد ، المحاولة الأولى: إبني سأحاول أن أحملك في بطني ولا أتذمر كثيرا لن أزعجك بمزجيتي .. لنكن متفقين ، أنا عنيدة وعنيدة جدا وقليلة صبر لأبعد حد فلا تهتم كثيرا لفلتات لساني... لا تنتقد إختيار والدك ، لا تأخذ الأمر بشكل شخصي أو جدي إن كان في ذلك عزاء ، تأكد أني كنت مهووسة به تماما لأقدم على هذا الفِعلْ.... ستعرف فيما بعد كثيرا عنه سيكون صديقك لا أبوك تأكد من هذا جيدا  يصاب البشر بخلل وجودي ، يسمونه بشكل جميل حتى يزينوا كل الرعب والألم الذي يسببه هذا الخلل إسمه حب. تعلمتها ؟ حب . ستكبر في مكان .. لا تتعلق به أنت كائن متحرك.. ستجد نفسك مع غرباء كثر...وكل واحد فيهم سيجعلك تتبع ميولته الفكرية  والعقائدية، ستجد نفسك جائع وبردان وستخاف الريح  لا تتباكى كثيرا ، الكل مثلك ووالجميع خائف... هناك من سيلتهي بقيس مدى الذعر ،  وسرعة الصوت والبصر .. وسيحاول أن يشرح لك لم أنت مذعور. لا تهتم كثيرا ، حتى إن فهمت ، ستبقى مذعورا. هناك من سيحاول أن يستغل ضعفك، أو يخفف عنك ، ويقول لك أن هناك  كائناً أقوى وأسمى يحميك وحدك دون الآخرين لأنك مميز ، أطيب ، أنقى ، أكثر طاعة .

أين المفر

أنا البنت التي سرقت دفتر المناداة لأجل أن لا يضحك الأطفال من إسمها فعادة ما يُقرأ إسمي إسم ولد ... أنا البنت التي إقتطعت المنازل من الصور المعلّقة بآخر القسم وخبّئت القطّة في خزانة المعلّمة لإخافتها وتسلّقت سور منزل المدير ورمت نافذة غرفة إبنه بحجر. فعلت ذلك. أنا التي حين وقفت أمام مكتب المعلّمة شاهدت العصا وحسب ذهني طولها  وسرعة الضربة وشدّة الوقع. بينما هرّبني خيالي لأقطع إسمي من سجّل الولادات، وإستبدال رسوم البيوت ببحر وأصنع خشب الخزانة منزلا للقطة البردانة وأعلّق إبن المدير الذي يرتشي لمجة الأطفال من قدميه بالسّور. أنا التي بينما أغمض عينيّ وأشدّ على أسناني، ينفجر خيالي بالضحك. أنا البنت التي هربت من ساعات الدرس  ولم يعرف وجهتي أحد، تغيبت عن الإمتحان وهربت من الشّباك حين حاصرني الأستاذ ليمليني الدّرس.. أنا التى زوّرت توقيع أمي وقلت أن أبي قد توفى ليتعاطف الاساتذة معي.. وحين كنت أعود عرقانة منهكة إلى البيت، وتقدّم لي أمّي صحنا قليلا بخضار لا أحبّها، تنبعث منه رائحة الفقر والتعب  والحقد.. كان خيالي يركض في نزهات طويلة يستمع إلى قصص الأحبّاء خلف سور المعهد ويقامر مع أولاد

لا للفقد

حين أحببت أول مرّة، كان ذلك فى فصل الربيع كان متزوجا وكانت جنسيته مغربية كان صديقا للعائلة كنت أسير وأنا أصدّق أن الزهرات تتفتّح بمجرد أن أنطق "إسم حبيبي" وأن الله يحوّل كلمات الحب إلى حسنات وأن جنيّة طيبة تحوم  حولي لتذر جمال الحب فوق وجهى.. وأن يوما ما ستموت زوجته التي تحبني أكثر من أي شخص أخر ... مزّقت ورودا كثيرا لأعرف إن كان حبيبي يحبّني.. لم أشم عطرها، ولم أذق شهدها كان حباً أقرب إلى بداية التعرف إلى الإحساس بالحب ... حين أحببت للمرة الثانية، كان ذلك فى صيف السادسة عشرة، كان العمر حفلة وكان الحب نقرا على الدفّ وكلّما إشتدت بي العاطفة قهقهت ورقصت. حين أحببت فى أول العشرين، كنت أصدّق أن "رجلي" سيكون الأول والأخير أني خلقت من ضلع فى صدره أحنّ إليه وأن المدى البديهيّ لمحبّتنا سيكون الأبد مهما حصل، رغم كل شئ.. كان الأبد قصيرا وبعثت من الموت كل حين وحين. حين أحببت فى منتصف العشرين، كنت أبحث بهوس عن عاطفة عارية من الوهم صحّية خالية من السموم، خصبة تستقبل خيالى "ومؤسسة" خارج الإنهيار الجماعي.. صار الحب علاجا وملاذا وظلّ شجرة.. هوس البحث كان أقوى

من المفروض

كان من المفترض أن يكون لي أكثر من  أخت. وكان مفروضا أن يكون لي سبعة  بنات  ولها أربعة أولاد وأن نسكن الجنان حتى ينتشر أطفالنا فوق أشجار التوت كدود أول الربيع.. كان مفروضا أن يكون هناك عشرة أطفال يلعبون ونكون خدما لهم. كان المفترض أن لا يسمع سوى ضحكاتهم وصراخهم ويجند الجميع لإطعامهم.. كان على حليمة  أن تنسى أن زوجها يمضي سهاراته بالخارج لانها يجب أن تصحو وتعجن الفطائر. وعلى سناء أن تقوي قلبها لأجل أن ترضع الصغار العطاشى ولو أن عطسة واحدة توقف قلبها من الرعب وعلى أمى أن تتوقف عن العمل بسن الستين لأن جيشا من المخربين الصغار يحتاج إلى إدارة وعلى الكل أن يخفض صوته بالسهرة لأن الملاكة نائمين. وعلى الشجارات أن تبقى معلقة بالسقف، لأن لا وقت لها. وعلى الجميع أن ينزلق فوق دموعه  ويضحك على وجعه ليضحك الأطفال. كان المفروض أن نزرع شجرة لوز لكل بنت وزيتونة لكل ولد وأن يصير الجنان أكبر وأكبر .. كان علينا جميعا أن نتنحى عن الطريق ليلعبوا كرة وسط الشارع، ليرقصن ونهلل لهم. كان علينا فعل الكثير، مما بدى مكررا  ومملا وغير جدير.. كان من المفترض أن يكون لي أخت، صرن عشرة أخوات.. وكان مفروضا أن

الحب الصحي

كانت تصوراتي عن ماهية الحب لا شئ غير التفاصيل العامة المضحكة، أن يكون الحبيب وسيما والحبيبة ضحوكة بفستان زهري ضيق فى الخصر وواسع تحت الحزام مع شعر مشعث تسكنه ربطة حمراء على شكل فراشة ... أو أن يسيرا معا فى طريق حي ضيق لا يبان أخره بينما إضاءة خفيفة وضباب شاعري يغلف خطواتهما بالحميميّة والتعثّر الجميل الذى يفترض ضرورة إتكائهما على بعضهما البعض. أو أن يعانق أحدهما الأخر في لحظة شوق أو ضياع أو عجز، ليكون القشّة الصلبة التى يتعلّق بها ضدّ الدوّار المرعب، عند الوقوف بحافة الممكن الذي تعده الحياة وعمق الهاوية الساحقة التي هي الفقد. أو أن يتبادلا قبلة حنونة جامحة، هي فاصلة صامتة في سمفونيّة صاخبة الإيقاع..ولنتأكد من الصمت الذي يقبع داخل سمفونيات  العظيم بيتهوفن ليجعلنا نشعر للحظة ما يشعر به شخص أصم لا يسمع ليجعلنا ندرك قيمة لحظات الصمت في كل شئ في هذا العالم عظيم أنت يا بيتهوفن تعزف جراحنا ومشاعرنا. .... حسنا لنقل أنه : لم يكن لي أبدا أي تصور عن ماهية الحب، سوى لحظات هدنة هنا وهناك،  لقطات لمشاهد عابرة لا إستمراريّة فيها.. كأنها حصص تصفية الدم، أو جرعات الأنسولين أو واحات إستراحة بصحرا

جيل الفالصو

نحن الجيل "الفالصو" المغمّس فى الذّهب. أبناء الخصاصة والمساكن الشعبيّة الرّخيصة وقروض بنك الإسكان ،وأحياء النّزوح وأكواخ القصدير. نحن الّذين إستثمروا في دراستنا كثيرا  وحشَوْا عظامنا خيباتهم وأحلامهم مصدّقين أنّها هكذا تشتدّ.... نحن الّذين لا نعرف الشّبع ، من أورثونا جوعهم الكبير للحياة خارج خطّ الفقر . نحن أبناء الدّيون والإنتظار الطّويل  والصّبر الملفوف بالذلّ ، أبناء التطلّب  واللّهفة والأحلام الهزيلة الّتي تموت سريعا فى صمت. نحن أبناء المغلوبين والمقهورين والفشلة. نحن ثمار السّخط ، نحن نواة الغضب. نحن أبناء كنوز القناعة الّتى يبحث عنها الجميع بطمع السّرقة ولم يعرف خارطتها أحد.... نحن أيتام الله والعدالة ، نحن من لا "زورو" لهم . الأطفال اللّا شرعيّون للحياة، من نجَوْا من التّنظيم العائلي وسياسة تحديد النّسل، نحن النّطفات الملعونة الّتى لم يفرح لأستقبالها أحد. نحن أبناء العادة السريّة والـ" أس" " أس" لا يجب أن يسمع أحد. أبناء الاحتقار والعنف والمتراك. نحن اللّاجؤون إلى الشّارع، القطط الكسولة الّتى "تُفرِّتُ" الزّبالة ل

كابوس

من سخف الحدث..رأيته على جانب الطريق الفرعي ينتظر عابر سبيل أشقاه الغضب المكبوت..والجوع..والقهر المهادن طوعا ...مثله يرفع يده فى خجل قاتل لكل من يمر يحمل هاتفا عتيق ويخبئ قارورة الجعة بحرص ان لا أراها أو يراها أحد .. ضحكت فى وجهه حين قال فى خجل أأستطيع أن أدخن..لأكتشف أن خجله كان من نوع تبغه الرخيص..لا من أن السرطان سيلف جسده المتداعى مهما كان نوع التبغ.. أتذكر أنه حدثني عن الكثير..أحلامه التى دفنت تحت الكم الرهيب من بناء بيوت وقصورا لأولئك الأغنياء التى عمل فيها بعد تخرجه..كرامته التى تداس كل لحظة وهو ينتظر إبن حلال ليقله لوجهته..إبن عمه الزنديق الذي أصبح (سي فلان) لمجرد أنه إختار طريقا كان يسمى إنحراف..دراسته مبادئه حبيبته وأخلاقه كل هذا الذى ضاع منه.. أرانى ورقة بالية فيها تهمته.... "المشاركة فى قطع طريق التجاهر بما ينافى الاْخلاق".... اْوصلته مجبرة إلى منزل رث على مشارف حي شعبي حيث معدل مساحة المسكن لا تتجاوز ثمانين متر مربع نصفها خصص للماشية....فيه قام أحدهم بنصب "فيلا" يمكن لمساحة مسبحها فقط أن تتسع لأربع مساكن......أليس هذا تجاهرا بما ينافي الاخلاق؟ أ

تكرار ولادتي

في مطبخنا فنجان مكسور الأذن، كلما جئت أشرب أخذته دون قصد ، يدي تحمله دون أن أختار حتى هكذا كل القلوب التي حضنتها  .. كلما أحببت قلبا كان مكسور الأذن أو مكسور الخاطر ، بشُعر مُمتد ليُكسر بضغطة يد أو ضغطة حنين لمن سبقني وجاء "أولا " أما انا فكنت دائما آتي الثالثة المولودة الثالثة الرفيقة الثالثة الحبيبة الثالثة إنتقيت أصدقائي أيضا من أصحاب المراكز الثالثة و لكن ما أن ألتفت لا أجد أحدا منهم ...فأنا إخترتهم من ذوي الحظ القليل ، البيوت المائلة ،ممن يعانون ضعف النظر وضعف الذاكرة، ضعف القناعة بأن كل شيء سيصبح أفضل أصدقائي يختفون بعد العاشرة دون أن يلحظهم أحد. أختفي معهم دون أن يلحظنا أحد نبكي سوية ونهمس سوية نشتم ، نضحك نميل على بعضنا حتى ننكسر ويميل البلد علينا لنختفي بعد العاشرة... ومع ذلك كله ذات صيف يا جهاد خطر لي إعادة ترتيب الفوضى وأن أكنس غبار الحرب من عقلي وأعيد تكرار ولادتي لمرة أخرى لكنهم قالوا لي أن إعادة ولادة إمرأة تحتاج لمخاض عشق تنمو فيه في شرايين رجل يعشقها وهكذا ولدت ياصديقي طفلة عشق لاتغادر السعادة مضجعها لم يبدو عليه أي تشوه خلقي حتى تجاوزت سن الحبو ع

حَدثْنِي

لا تحدّثيني عن الأرق والكآبة ولا عن الإحباط ولا عن السّأم.. علّمني  مثلا رقصة التانغو أو عزف العود مثلا،أو علمني كيف أصنع من  شعري ظفائر ....وكيف أُصفرْ بيدٍ واحدة لكل عصافير العالم فتخضع كلها تحت قدمي .... أو شغّل الموسيقى التي يرقص عليها أهل الغجر ...ما رأيك لو نشرب كأسي نبيذ أحمر معتقا تحت ضوء القمر ولندع العالم يتزلزل من حولنا أعتقد أن هذا سيكون أفضل.... أتعلم أنني أحبّذ " زمن الغجر " " قطّ أسود .. قطّ أبيض " جيّدة أيضا لا تحدّثيني عن الحبّ .... فالحديث عن الحبّ يوقظ فياّ  الإحباط أنا لستُ لعوبة لكنّ بعض الأشياء عليها أن تظلّ في العمق،العمق يحوّلها إلى أسرار إلى موسيقى مثلا أو إلى رقصة أو إلى بكاء أمّا طفوها على السّطح فيجعلها مبتذلة حسنا قلي ...ما رأيك بالبكاء البكاء أمر مذهل إنّه المطر التّي تغسل الرّوح لا تحدّثني عن الحبّ حدّثني مثلا عن الأمراض النفسية التي تقتل الإنسان يوميا مثل الأشخاص الذين يحبون الموت وينتشون على الجثث حدثني عن هروب القاتل الذي قتل أخت صديقك مثلا .... أو أقول لك شيئا... حدّثيني عن لمعان مخالب طيور الكوندور وهي تتقا

رجلٌ

أحتاج رجل يجيد السباحة لأن لا  يغرق في طوفاني لأنّه  يدرك جيدا أنّه ليس سوى كأس صغيرة من طوفان العالم ، أحتاج رجل عَاشرَ الذّئاب الطّاعنة كي يستطيع أن يدرك مدى عظمة الفراغ والوحدة ،أحتاج رجل يدرك المسافة الغريبة والأليفة  الواضحة والغامضة بين ظاهري وباطني  أحتاج رجل يعرف كيف يبتعد وكيف يقترب،رجل يعرف أنّ للمحيطات شطآنا  وأنّ لليأس غُنجا وأنّ المواويل أيضا تنام مثلما ينام الحمام والنّمل والدّلافين ، أحتاج رجل يرى الحياة مثلما يسمع الموسيقى ويحبّ مثلما يرقص الطّانغو  ويسترخي مثلما يسترخي الموج ويخفّ مثلما تخفّ النّسمات ويصمت مثلما تنتهي الأفلام الحزينة وتتوالى أسماء أبطالها ببطء على الشّاشة كأوراق الشّجر الذّابل  وهي تسقط في الخريف ..... أحتاج رجل لا يحتاجني ، أحتاج رجل يسخر من هوسي وتكبّري ويهديني بساطة العالم في لمسة من يديه اليائستين..  أحتاج رجل مثل إمرأة أكونها الآن  أحتاج إمرأة مثل إمرأة سواي ولا أكونها الآن ..... رجل يهبّ على أنوثتي مثلما تهبّ بويضات إناث الأسماك على ذكورها , هناك في المحيطات البعيدة حيث الحكمة الأخيرة ليست شيئا آخر سوى الصّمت Ons Bn Essayed

جرعة إنتحار

كأي منتحرة، لم أعامل جيدا ولم  أغسل وكان ذلك جيدا. كنتُ أحب أن أحتفظ بكل أوساخي معى، إلى آخر لحظة ، طبعا تعرفون، القبور باردة وفارغة وظلماء ومخيفة  ويبدو أن  "الأبد" طويل وممل،  ولقد حرصت في حياتي السابقة أن تكون أوساخي مثيرة، غنية بالتفاصيل، حتى إذا ما مت أثثت بها قبري وتسليت بمراجعتها والنم عليها. بالرغم من موتي لم أهدأ، لم يهدأ فضولي: أحببت أن أعرف من صاحبني إلى سكني الثابت الأخير، من إحتمل مواصلات يوم الأثنين ليودعني ويلقي نظرة أخيرة أو وردة أو دمعة أو شتيمة.. كان من الصعب أن أطل بينما  جسمي موار بالتراب، جذعي مثبت، أكتافي ثقيلة، نفسي يذيق مع كل ثانية وخاصة أنني لا أحب الأماكن الضيقة لكن عنادي كان كافيا لأرفع رأسي: تبا، هؤلاء فقط ! يبدو حقا أني كنت نكرة. ثم لم أنجح فى الإحتفاظ بالعديد من حولى..مع أنني حاولت للأمانة. بعض الوجوه لا أعرفها، ولا أعرف لِمَ يبدو الحزن والتأثر عليهم.. غريب أمرهم البشر، لا شيء يثير عواطفهم قدر الموت. أيها الأوغاد، كل جرائم الحياة لا تنتبهون لها، فقط يرعبكم الموت ! صادفتني إمراة بوجه مألوف تنتحب: "بالثلاثين، ماتت صغيرة" بطرف

إرتجاج في المخ

لنكن متفقين على أنني شخصية تحب النظام والنظافة تحب ترتيب البيت وترتيب حديقتها، ولنكن متفقين أيضا أن لديّ إرتجاج في المخّ وزلزال في القلب  ونقص فادح في النّوم وخلل في إضاءة الغرفة وأريد أن أكتب ....  أريد أن أكتب عن رقصة الفتاة اليابانيّة في الحديقة العامّة بفستانها الطّويل  والطّلاء الأبيض على وجهها وبكعبها العالي الذي يفوت طوله طولي لنتفق على أنّها قمر حزين سقط للتوّ من السّماء ، أريد أن أكتب عن الذّين يموتون ولا أحد يعرف إلى أين سافروا ، أريد أن أكتب عن جسدي النّحيل الواقف أمامي كسكّين مثبّتة بين حجرين فلا هي تقوى على الطّعن ولا هي تقوى على السّقوط ، أريد أن أكتب عن الالتباس والهوج وعودة الرّوح .....أريد أن أكتب عن بصمة الروح في قلم حبيبي أريد أن أكتب عن قلم الشفاه الأحمر  المنسيّ في خزانتي أطلي به شفتيّ باحثة عن أخر قبلاتي ، أريد أن أكتب عن حمم البراكين الحمراء تقبّل الجبال بهدوء وكأنّها حقول من الجلّنار المتوهّج الفائح برائحة العشق والانصهار ، أريد أن أكتب عن الشّوق الذّي يفقد حبري صوابه ، أريد أن أكتب عن فرس الماء وهو يصعد من الوحل كأنّه آدم يخرج من الطّين ، أريد أن أكتب عن

لأجل أمي

كلّ محادثة هاتفيّة مع أمّي، تنتهي إلى سؤال واحد هل هناك من جديد؟؟ أتمتم بين نفسي ها قد بدأت أمي وهنا تقصد حرفيا : هل وقع رجل في المصيدة ؟ هذا السؤال البسيط،الجميل، الطيب، الملح، الراجي، الخفيف، الثقيل، المازح، الملح، المربك،الذي يجعلني أتسأل عن معنى الوجود منذ ستة عشرون سنة إلى ما بعد الستة والعشرون.. هذا السؤال الذي يلخص ثقافة كاملة من ال"حب"، تخيلوا تلك اللعبة بين الصياد والفريسة  والمصيدة..... يا الله ما أجمل علاقاتنا ! سؤال طيب، يسأله آلاف الأهالي الطيبون لأبنائهم وبناتهم، بشكل متواتر .. الأهل! تعرفونهم ؟؟ إنهم أولئك الكائنات الطيبة التى إعتدنا رفقتها منذ الصغر، من إعتادوا أخبارنا بالصواب والخطأ ومدّنا بالنصح.. الأهل أيضا هم من ساهموا إلى حد كبير فى أن نكون نحن فى هذا المكان. أقصد هذه النقطة من المستنقع القذرة الكريهة أهلنا الطيبون الذين أورثونا كلّ مخاوفهم وطموحاتهم المؤجلة وهزائمهم وعقدة الفقر الكريهة والإحباط والتقزيم وعدم الطموح، والعاطفة العنيفة. الأهل هم أولئك الذين عاشوا فى طمأنينة معتقداتهم طوال حياتاتهم ودفعنا نحن سبب هذه المعتقدات. الأن هم يتمتعون

رميتُ نردِي

أنا إمرأة سهلة، كأرض مفتوحة و ممتدة. لا أسيّج نفسى بما يكفي من الشّوك لأسجنها عن العالم. لذلك يعبرني المارة الكسالى، و السرّاق الصّغار الهاربون وتجتمع النّساء بأركاني للشّكوى  والنّميمة، يرمين قُشور اللّيمون و يرحلن. ويسكر الصّعاليك من لا مؤوى لهم بحضني ويتبوّلون، ثم آخر الليل، يتعاركون على طرق العودة. يشقّني الأطفال فى طريقهم إلى منازلهم و يخافون الغولة التى تسكن أرضا كبيرة و مهجورة. الغولة التي تلاحقهم لأجل عناق..يرمونها بالطّوب حين تلوّح لتودعهم. تخدشنى أوتاد الخيم الصّغيرة وتبقى آثار الرحيل مرشومة... ستة وعشرون عاما ولم يتغيّر شيء. لازالت هذه اللّعبة تقلقنى ولازلت أبحث عن مهرب. لازلت حيّة يا أُمّي،لم أغرق في حفرة،لم تدهسني سيّارة،لم يقتلني الحزن،لم أشرق وأنا أضحك، لم تباغتني رصاصة قنّاص. لم أسجن، نجوت إلى الآن من كل أحلامي. ستة وعشرون عاما من الفزع ولم تنل الحياة منّي ولا الأوغاد. ربما جروحي مُعلّمة، وبي رضوض كثيرة. لكنّنى لازلت حية لم أسجن بعد لأجل كأس أو قبلة أو نكتة. أُمي أنا حية هذا كل، نجاحي كل ما حققته، كل ما يستحق. وتمنحني الحياة وقتا جديدا لأقامر به وألع