عائلتي المشتهاة

لطالما حلمت بعائلة تسبح في حوض الحمّام...
حسناً
عائلتي المشتهاة لها خمس بنات، أحببتُ دائما وأبدا أن نكون خمس بنات، كل بنت بمقاس وكل بنت بطعم وشكل
وبها ثلاثة أولاد كلّ الأولاد بذات الشكل
وأنا الكائن الضئيل في الوسط...

عائلتى المشتهاة صاخبة وسعيدة، الجميع نشيطون ضاجُون وأنا وحدي كسولة منسيّة....
حسناً:
أختي الأولى ذكيّة، تصححّ أعمالي الدراسيّة وتحضر لأجلي المقابلات، تحكي لي كل الأساطير والعلوم وتعلّمني كيف أقرأ الكف....

الثانية تعرف أسرار الموضة والجمال  وكيف تُقوّمْ الحواجب بخيط رفيع لا يترك أي أثر....

الثالثة لئيمة، تحفظ الأسرار، تحمينا من فخاخ الأنذال، وتنقذ علاقاتنا من الفشل..

الرّابعة حنون كنهر، قلبها مسبح لعائلة كبيرة،أكولة تحبّ الطبخ، تعرف كيف تطعم الحمامات الخائفة وكيف تستخرج  العطر من زهور الزينة.

الخامسة راقصة، تأخذنا معها للديسكو  وتسكب الكحول في كوؤسنا دون أن ننتبه، تضحك بصوت عال حين ترى الدوخة المذهولة في عيوننا وأجسادنا الصغيرة تتساقط رقصا، تعلمنا كيف نضغط بشفاهنا على المرآة، كأنما نتدرب القبل.

لي أخْ في إيطاليا يرسل لأجلنا ثيابا زاهية ومثيرة، نباهي بها بين بنات الحي اللاتي تغطسن في السوّاد والباج، ويرسل أحملة الصدر الرخيصة والبرفان.

يرسل لنا صوت الموج البعيد وروائح الشطآن الدافئة حين تنام الشمس ويضيء البحر ببهجة الراقصين وعربدة السكارى..
 يبعث لنا وعودا بفسحات طويلة بأقدام خفيفة تغوص في التراب الحارق من الملح والشهوة...
 يبعث لنا كثافة الحياة التي لا نعرفها، في قاع حقيبة وجهها أسود وصامت.

لي أخْ في السجن، نعدّ الأيام لزيارته  ونتفنن في الحزن والإستعداد..

 نأخذ لأجله مواصلات بعيدة وشاقة، هو جواز سفرنا لعوالم لم نكن مؤهلين لنعرفها؛  يحكى لنا قصصا مثيرة نتباهى بها كذلك بين الغرباء المملّة حياتهم، نزايد بها بين الحزانى، نبتزّ عاطفتهم فى اللقاءات الأولى، قبل أن نهددهم بها عند الرّحيل.
هو الثقب الأسود في سعادتنا الملولة، مصب ضيقنا بالحياة وضياعنا أمام حرية  ثقيلة; لا تدر المال ولا تقينا الضياع..
هو تعلة الدموع اليتيمة التي لا تتبناها الأسباب ولا يهتم بها المنطق, مخدتنا المريحة التي نضربها بعنف  كلما فار في دمائنا الملل.

لي أخْ عاطفي، يحبّ البستنة وصيد الحلزون... يحبّ أن يدللنا، يتقاسم معنا سجائره خلف الأشجار، يظفر جدائلنا بحب وينسّق الأكاذيب للقاءاتنا الغراميّة  ويقطف لأجلنا الزهرات....
 يبكى من قلبه حين نفارق أحبتنا ويبعث لأجلهم الرّسائل الطيّبة كما يضع أي عابر زهرات برية  على قبر قديم لأنه يخشى التفكير بالنسيان ،في ليالي الصيف الطويلة التي لا يحدث فيها شيء، حين تصبح الوحشة أليفة بشكل مثير للشجن، مستفز للحنين، يمسك الطنجرة ويطقطق بأصابعه لحن موال حزين نصدق لرهافته حزنه ونطرق مثله حزينين. تدمع أعيننا بلا سبب، نتعانق بلا فهم ونحس بالخطورة: نحن عائلة حزينة، يجمعنا سر جليل.

العائلة التي طالما حلمت بها، ضاجّة  وسعيدة..
لا كآبة تجرى بعروقنا، لا فقر حدبة فوق ظهورنا، لا نسبّح بالإيمان أو الكفر، لا ثأر قديم يشوّه جلدنا.
نحن عائلة سخيفة، تحب الحكايات  والنميمة والضّحك وعميقة أيضا تستشعرالحزن.
وأنا بنت النصف، كسولة ومنسيّة، أسبح بإطمئنان، بينما عائلتي السعيدة، تغرق بالحوض..
Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف