لعبتنا المثيرة

هو صباح يشبه كل تلك الصباحات الضّاجة بالملل، إستيقظت باكرا، أعدّت الفطور ونظّمت المنزل وبقيت في المطبخ ترتّق بعض ثياب مهترئة وتستمتع إلى الرّاديو... صوت الشحرورة صباح يبعث في نفسها البهجة ولو أنها تفضّل حماسة أمينة فاخت، تأوهها في الراديو ينشّط حواسها ويجعلها تهز رأسها بمتعة وسلطنة متناسية الديكور الممل لحياتها.

كان يمكن أن يكون صباحها خاليا من أي مفاجأة لولا هجمة الشاب حمدي إلى مطبخها بلا سابق إنذار.

حمدي هو إبن جارتها في أخر الحي، بالكاد كانت تذكر وجهه الأسمر الهزيل، رشحته أمه لمساعدة إبنتها بالدراسة بإعتباره متحصلا على شهادة جامعية من جامعة متميزة بالعاصمة. لم تكن تحتاج إلى حجج كثيرة لتقتنع،أي جامعي مرحبّ به ليساعد الملعونة إبنتها على نجاح البكالوريا.
زار حمدي إبنتها مرتين بالبيت، إستمعت إلى نقاشاتهما من خلف الباب وإطمئنت إلى جديّته برغم دلال إبنتها وبحثها عن تصيّد المواضيع خارج الدرس..

في زيارته الثّانية، في طريق المغادرة توقّف الولد أمامها مشدُوها وفي عينيه لمعة حادّة أثارت ضحك نائلة وسخريتها ونهرته بلطف:
- مَخََرْ عليك، سلملي على أمّك.
وكاد وجهه ينفجر من الخجل.

في الأيام التي تلت ذلك صادفته في طريقها أكثر من مرة، كل مرة يقلّ إرتباكه، تزداد الحدة في عينيه إلحاحا وتتسع إبتسامتها ويزداد صوتها ثقة وهي ترسل السلام إلى أمه.

مع الوقت، تحولت حياتها إلى لعبة مثيرة، أينما ذهبت بحثت عن حمدي...

كان يختار الأماكن الأكثر غرابة ليتخفّى في ملاحقاتها وكانت تحب أن تكون الأولى في إكتشافه والتّظاهر بتجاهله،  والإستمتاع بالشّرارة في عينيه تلسع ظهرها.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يشتهيها فيها رجل غريب، هي تعرف جيّدا تأثير جسدها الممتلئ كسفرجلة ناضجة مثيرة للرغبة في العصر والرّفس وتأثير نظرتها الناعسة العسلية الواسعة وصدى ضحكتها اللّعوب في نفوس الرّجال.
عُرف عنها أنها إمرأة مِلعب كثيرة المغامرات، سُمعتها السيئة أدرّت عليها مالا كثيرا... كل النساء في القرية تستعطفن نصائحها وتطمعن بخبرتها لإستمالة قلوب الرّجال، كل الفتيات يقصدنها لتوشّم أجسادهنّ "بالحرقوص" في أماكن تختارها وأشكال تبتدعها.. صار البعض يعتقد أن أوشام نائلة تجلب المحبوب وتفك عقدة أصعب الرجال.

مع كلّ القصص حولها، لم يحدث أن خانت نائلة زوجها كانت تخشى عقاب الله وترأف على المغترب البعيد من الخيبة لكنها لم تكن لتتخلّى عن سمعتها السيّئة لأي سبب......
كانت تحتاج أن تقتل الملل كل حين بقصّة تتلاقفها الأفواه في القرية كما تلتقف الكلاب الجائعة فضلات الدّجاج..

 دامت لعبتها مع حمدي أكثر من شهرين، صارت تخرج فيها يوميا إلى السّوق  وتتصيد الأسباب لزيارة الجارات  شهرين تفننت خلالهما بخياطة الجلاليب الأكثر ملاءمة لتضاريسها العجيبة المتداخلة  وإختيار ألوان عجائبية لأغطية الرأس..
صارت تعبر النهج المترب المؤدي إلى السوق كنجمة حقيقية، تستوقفها النساء بفضول وتتابعها عيون الرجال بالحاح حاد بينما تبحث هي عن اللمعة في عيون شاب أسمر وهزيل لمعة حادة جعلت لأيامها المملة إيقاعا خفيّا من الشوق الممتع وسقت روحها بإهتمام شبق.
دامت اللعبة لشهرين، قبل أن يتغيب حمدي فجأة عن دروس إبنتها وينقطع عن ملاحقتها في الخفاء ويتحوّل الإنتظار اللذيذ إلى تساؤل وعصبيّة وألم..

إنتهت اللعبة المثيرة ولم تعثر لأي أثر لحمدي...
تحوّل الشوق الخفيف إلى حمى من التعلق والحاجة حمى جعلت مزاجها سيّئا ويديها قاسيتين على أجساد البنات  وأوشامها مفزعة حتّى طبخها صار بلا طعم وكادت أن تطرد زوجها خلال زيارته.
مرت أيام شديدة قبل أن تستعيد نفسها  وتتعوّد نسق أيامها من جديد..

ذلك الصباح، كان يشبه صباحات عادية لأيام ضاجة بالملل.
لولا إبثاق حمدي في باب مطبخها بلا إستئذان، كأنه شبح ميّت، بدى وجهه مخيفا، عيونه بارزة في وجه عاتم شديد الهزول تضئ بشرارة مجنونة، يرنو إليها بفم مفغور كأن مسّه مسّ..

Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف