المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, ٢٠١٨

الإستراحة

يمكن أن يحدث الكثير في محطّات الإستراحة على الطريق السريعة. صحيح أنها مجرّد بناية بمساحة عاديّة جدّا تعادل مساحة أي قهوة شعبية بشارع صغير بمدينة.... صحيح أنها تبدو خالية، معزولة وراكدة.. يعني مجرّد محطّة إستراحة على طريق صحراوية سريعة.. قد تتوقّع أن لا شيء يمكن أن يحدث بهكذا مكان، يرتاده الناس للتبوّل أكثر مما يرتادونه للأكل أو شرب القهوة: المروحة العملاقة بالركن توحي بالملل من شدّة الغبار المزدحم بين أجنحتها الثقيلة الطاولات الصفراء، المتسّخة ببقاع الدهان والقهوة والبصاق الممسوح على عجل، تشي بسنوات من الإهمال والركود.. الهواء ثقيل. عيون "السرفور" نصف مغمظة، تتابع بكسل متؤهب مباراة الكرة بالتلفزيون. الصبيّ يسحب أرجله خلف المسحبة، ليجمع أوساخ الأرضية القابض يعد ملاليم الأمس بتؤدة العابد.. الوقت يتثائب..... لكن العمال هناك يعرفون أنه يمكن أن يحدث ما لا نتوقعه، يتسلحون بعصا ثقيلة تحت الكنتوار وسكين حادة مخفية بعناية تحت غطاء الطاولة التي تحمل الكاسة. يضعون طاولة على جانب، مرتبة بعناية  وحولها كراسي من خشب لا من بلاستيك. فوق الطاولة مزهرية، ومنفظة سجائر  وحاملة محارم

أمومة

يهمس ملاك في أذني، كمن يخشي إيقاظ وحش: -والأمومة هل تكتبين عنها؟؟ لا أكتب، أجيبه بنصف صوت، بينما يستيقظ الوحش في صدري ويفتح عينا واحدة، تلتقط كل الألم.. لم أكتمل أمّا، لا أعرف كيف تكتمل الأمومة داخلي، لا تنضج.... هي هنا، أستشعرها، في مشاعري، قراراتي وأفكاري، لكنها لا تكتمل، لا تستقل عنّي  ولا تفرض علي نفسها.. كما لا أقتلها  وأتحرر منها.... هذا الرجل طفل كبير، أحبه لأنه طفل لأنه كبير بما يكفي....  من التي تستدعيه الآن ؟ الأمومة ؟ أم أنوثتي ؟ أنوثتي تقلب شفتيها قرفا، هلا إنتهينا من هذا الفيلم السخيف ؟ كل هذا إنتاج ثقافي، لا أريده. أقول مقتنعة : لا أريده. ثم يتسلل الحنان إلى قلبي، حنان مشوه، بطعم الملح، سلطوي ومتطلب.. تلغي الأمومة ما أحبه أكثر  في البشر: إستقلاليتهم وتفردهم في التجربة حريتهم الهوجاء لا محدوديتهم.. الأمومة إستدعاء دائم للقلق، الحذر، الرعاية، الطبطبة، التلقين، التذكير بالواجبات، سقي البيوت بالطمأنينة، إغلاق الباب عن الخطر، الإكتشاف، المجهول المحفز..  ها هنا،  معلمة، لا تحب الإبتكار، منظمة تخشى الفوضى، مؤسسة عين لا تنام ترقب، تشرب الألم وتدفع الشر والسحر!

الوحدة

حين أغلقت الباب خلفه في تلك المرّة، كانت تدرك جيّدا أنه لن يعود منذ أسابيع وهي تطالب برحيله بعد أن أعلن القاضي طلاقهما كانت مقتنعة تماما أنها لا تريد العيش معه لما تبقّى من حياتها. لطالما أرعبتها الفكرة أن تعيش مع شخص واحد مدى الحياة. المنفظة فوق الطاولة لازالت تحمل دفئ سيجارته، آثار مؤخرته على الأريكة لم تختفي، عطره في الجو ريمود التلفاز لازال حيث تركه. لقد رحل لوهلة توقف كوكب الارض توقف طلق النار، توقفت الآلات الحاصدة، تجمّدت ينابيع الماء، تعلقت الضفدعة بين فضاء وهواء، تجمّدت قطرات المطر وهي تنزل سكن الكون وبدى محرّك السيارة صارخا وهي تتحرك من ركنها المعهود  وتنطلق في طريق لا نهاية له. لقد رحل... رنة الولاعة، كانت الإشارة الخفية للكون ليعمل مجددا كل شئ عاد إلى حركته. ليس بشكل طبيعي تماما، ببطئ ناعم، تحبّه نفسها. أشعلت السيجارة يجب أن تشعر بالإرتياح الآن بالتحرر. بالخفّة بالإثارة. البرد وحده يتسلل إلى أطرافها. حملت نفسها من مقعدها وجلست حيث كانت مؤخرته على الأريكة ،سرى بجسدها ما كان دفئه... -مراحل إنتهاء العلاقات:  أوك "غوغل" -كيف الغضب، أخر مراحل الشفاء.

لعبتنا المثيرة

هو صباح يشبه كل تلك الصباحات الضّاجة بالملل، إستيقظت باكرا، أعدّت الفطور ونظّمت المنزل وبقيت في المطبخ ترتّق بعض ثياب مهترئة وتستمتع إلى الرّاديو... صوت الشحرورة صباح يبعث في نفسها البهجة ولو أنها تفضّل حماسة أمينة فاخت، تأوهها في الراديو ينشّط حواسها ويجعلها تهز رأسها بمتعة وسلطنة متناسية الديكور الممل لحياتها. كان يمكن أن يكون صباحها خاليا من أي مفاجأة لولا هجمة الشاب حمدي إلى مطبخها بلا سابق إنذار. حمدي هو إبن جارتها في أخر الحي، بالكاد كانت تذكر وجهه الأسمر الهزيل، رشحته أمه لمساعدة إبنتها بالدراسة بإعتباره متحصلا على شهادة جامعية من جامعة متميزة بالعاصمة. لم تكن تحتاج إلى حجج كثيرة لتقتنع،أي جامعي مرحبّ به ليساعد الملعونة إبنتها على نجاح البكالوريا. زار حمدي إبنتها مرتين بالبيت، إستمعت إلى نقاشاتهما من خلف الباب وإطمئنت إلى جديّته برغم دلال إبنتها وبحثها عن تصيّد المواضيع خارج الدرس.. في زيارته الثّانية، في طريق المغادرة توقّف الولد أمامها مشدُوها وفي عينيه لمعة حادّة أثارت ضحك نائلة وسخريتها ونهرته بلطف: - مَخََرْ عليك، سلملي على أمّك. وكاد وجهه ينفجر من الخجل. في الأ