المشاركات

عرض المشاركات من 2019

الخوف

أحب أن أتوقف عند ال"خوف".  إحساسا، تجربة، ثقافة وهوية. الحقيقة أنه موضوعي المفضل، صديقي الأبدي.... الخوف إسمي الحقيقي في بطاقة التعريف وأخاف أن أصرح به.... إن كان من الممكن  تحديد الأحاسيس بشكل هرمي، لكان الخوف على القمة  لا لا ليست القمة، لكان الخوف الطبقة الأولى لأي إحساس آخر؛ لا أذكر أنني شعرت بأي إحساس على الإطلاق ولم يكن الخوف قاعدته الأولى الصلبة الثابتة الموازية، التي إن فارت إمتزجت به حتى غلبت عليه ومات بإسمه الذي يسري في عروقي ككريات سوداء، هي فصيلة دم الكائنات التي لم تتغذى بإحترام ذاتها  والثقة بقدرتها... من أين أصابني كل هذا الخوف ؟؟ هل هو نتاج نظام سياسي شمولي ديكتاتوري ؟؟ هل هو نتاج تربية محافضة ؟؟ هل كنت أخاف بن علي؟ حزب الدستور ؟؟ النهضة، داعش، الإمبريالية ؟؟ لم أخف إلا الأشباح! الأشباح التي تعيش معي ولا أصطادها. لم يحدث أن خفت مما أعرفه، لطالما إقترن الخوف بذهني: بالمجهول، بالجهل، بأن لا أعرف.... بالوحدة، بأن أعزل عن الآخر، أن لا نتواصل... بالحدود والقمع، بأن ينتهي جموح إنسانيتي عند حد مرسوم. بالفشل، بالصوت الذي يكرر لا يمكنك! الخوف كان

صمت

عن العصافير التي لا تطير مهما عتت العاصفة.... الكثير من الأعوام على مقاعد الدراسة  ولم أتعلم كيف أحتمل ضغط الحياة في عروقي وكيف ببطأ أتنفس حتى لا أختنق وأنا نائمة... لماذا أهيج حين يكتمل القمر ؟؟ الكثير من الأعوام من نظريات الإقتصاد  وثرثرات العلوم عن المادة والكيمياء  وتمارين الرياضيات لأجل عضلات المخ. الكثير من الأعوام لأجل أن أرسم نجمة  وأصنع مركبا من ورق هذا تقريبا كل شئ. الباقي علمتني إيّاه أمّي.. الكثير من أعوام الصمت. هذا الفستان يليق بإعلانات كريم إزالة الشعر... نعومتي المهترئة، لا تليق بهكذا فستان عيونك الحالمة، لا ترى أبعد من خشونة أسفل قدمي والشعرات الزاحفة على جلدي.... أحب لو أكون دمية لتحبني،لتلعب بي أمي حين تمل.. وليتوقف عن نهش لحمي، القلق أتمنى لو أكون دمية، لا تموت سريعا لا تجف أو تيبس لا يتفتت عمرها، بسكوتة في فنجان دمع. الحياة سريعة جدا،كل صيف ييبس غصن وتموت زهرة... كل شتاء تسقط ورقة أخاف عراء العمر القادم لن تحبني دون فستان الإعلانات.. الشعر يزحف على جلدي.. مثله تزحف.. تدهس جذعي الهش، بينما تعاينني هل أنا حقيقية ؟؟ أحتاج العطر ليحملني إلى

كراتيني

كيف حالكِ  يا صديقة ؟ أتخيلكِ بذات الجلسة ، كغراب ملول طاعن في السن واليأس، يطل على العالم من غصن محترق بأعين ملؤها السخرية واللامبالاة..... أفكر بكِ ، أقلب خيال وأسهو لا شيء  أخبرك عنه: بدأت أهجئ الحروف الصغيرة للأمل  وأتعلم بعد كل هذا الوقت ،أنه مجرد إسم وعلىّ ككلّ شيء آخر أن أتقبّله.... صرت أتوقف قليلا  كل صباح أمام العجوز الأجرب الوحيد أمام العمارة دونما أن أشعر بذنب أو أسف أكرر : لا بأس بالحياة  قلبي ، قلبي الكسول ، يتنفس تحت الماء ، ويحتمل السعادة هل تصدقين ذلك؟ كل شيء عادي لازلت أهاب المشي في الليل  وأحب الزقاق الضيقة المظلمة... أستأنس عواء الكلاب المشردة الوحيدة  وأخاف الضوء الدافىء خلف النوافذ حيث يعلو أزيز العائلات وتبدو مرعبة  الألغام المؤقتة للسعادة تحت وسائد الأطفال.... أرحل عن بيت آخر في كراتيني، أصدقاء طيبون  وفساتين لم يخنها جسدي بعد،دمية قطن مبتسمة على الدوام، صحون وملاعق .. أكتشف أن لي خمسون سنة كأنما إكتشفت تحفة ثقيلة. هذا العمر لي حقا !! ؟؟ أقلبه بدهشة بين يدي ،  ماذا أفعل به؟؟  أتشاركه أم أورثه ؟ أم أتركه للعجوز الأجرب الوحيد؟  أي كرتون سيحمله؟

مروى

سأحدثكم عن مروى.... لا شك أنكم عرفتم نساء جميلات في حياتكم، لكن أحدا منكم لم يلتق قط بمن هي لجمال مروى. كل من يعرف مروى أو سمع عنها، يعرف أنه لا يوجد أجمل منها. لمروى بشرة أكثر صفاءا من مياه الينابيع. زرقة عينيها أجمل من شواطئ الكرايب. شعرها شلال أسود، تجمعه فوق رأسها كذيل فرس جامح. جسدها المخملي، أكثر نعومة من زهرات القطن الناضجة ويداها، أشد خفة من جناحي يمامة.... مروى كانت أجمل النساء. لكن لم يكن الجمال وحده ما يجعلها مميزة كانت تملك شيئا من السلطة الأنثوية الغامضة، وكانت مدركة تماما لذلك. تعودت منذ طفولتها أن تشهق العيون لطلتها وتتزاحم الدماء بالوجوه التي تتطلع إليها وتهمهم الشفاه بحضرتها كأنما تسبح لسر من أسرار الكون وفهمت بسرعة أن جمالها المألوف لها، ثروة لا تقدر بثمن.... كانت إذا حضرت عرسا من الأعراس بالحي، توقف الحفل وحبس الجميع أنفاسهم لمرورها. كانت تختار أي رجل لتقبله في دلال على مرأى من الجميع، كثري يدس مائة دولار بقشيشا لأي نادل.... كانت إذا مرت بالشارع وتوقف المارة لجمالها، تعرت لأجلهم، ضحكت في خفة للفوضى من حولها ثم هربت كما تفعل النجمات بشاشات التلفزيون.

عالم صوف

في عالمي الصغير،في الداخل، هناك في أقاصي الداخل.. أجلس بمفردي على أريكة من الصوف، أتفرج على تلفاز من الصوف، وأطرز بالصوف ستائري الصوفيّة الجديدة، وأراقب من الشباك، نمو سفرجلة صغيرة...  ألاحظ تراكم أكوام صوف رمادية في الفضاء ستمطر،أركض بسرعة لإعداد المدفأة، أنهي لعبة القطط وأدعوها للدخول، وأشعل كل الأضواء. في عالمي الصغير، هناك في الداخل، لا ماضي لي ولا أصدقاء أستكين لرفقة الأوهام، وأحشوها بالصوف لتكبر، وأحلم، أحلم في مكاني كثيرا أحلم بالدفئ، بقلب لا يحن لشيء، وببال خال... أحلم بالكثير، بحبيب يصطاد من أجلي قلوب الفرسان لأحشو بها عرائس الصوف التي أصنعها فتنبض حياة وتؤنسني في الوحدة. حبيب غائب، لا يأتي سوى عندما أحتاجه حبيب سخيف، حتى لا تموت داخلي الرغبة في الضحك ومشاعر الشفقة حبيب يهديني دبا في عيد الحب، لكن دبّ حقيقيّ، نجلس معا على شرفة مطلة على قطيع لا ينتهي من الأيائل البيضاء، ونتحدث عن البرية، وعن ضعف الإنسان وجبنه يطول الحديث يجوع الدب ويأكلني. هناك في الداخل، لا أريد أن يتوقف قلبي فجأة عن العمل، ولا أن تصدمني سيارة لا أن يغتالني الأشرار، أريد أن أكون فريسة فريسة إلى آخر عظم،

نرفين

كانت في عمر أمي، أو ربما أكبر قليلاً. شيء في وجهها يوحي بإنتماءها لعائلة ميسرة. ملابسها بسيطة ومحتشمة كما يليق بجدة...  الإيشارب الحريري الذي تغطي به رأسها ويتوارى خلف قميصها يضاعف النعومة المتدفقة من ملامحها وإبتسامتها الطفولية.... غريب أن بعض النساء لا يكبرن، أم وجدة تبدو كبنوتة في الخامسة، تستدعي في أشد النفوس ضيقا وخشونة واجب التلطف. بادرتني بإبتسامة تعادل قدرتي على الإبتسام لمدة شهر وقدمت نفسها بصوت يبعث في النفس الرغبة في العناق والبكاء: - أنا إسمي نرفين شاعرة. قالت إنها شاعرة بذات البديهية التي تنطق به إسمها "ن ر ف ي ن" "ش ا ع ر ة".. الأمر بسيط وسهل.. قدمت نفسي بإسمي، معتذرة في باطني أن تخدشها طبقة صوتي فأجابتني بإبتسامة أعلى من موج المحيطات كادت تلقى بي من كرسيَ   وإسترسلت في تقديم دواوينها، وأسمائهم وتاريخ ولاداتهم ودور النشر الحاضنة لهم.. كفضولية تقليدية سألتها عن أطفالها، فأخبرتني أن لها ثلاثة ونسيب وحفيدان وإسترسلت تقص حكايتها بإبتسامة لا تفارق شفتيها، تجبرني على الإبتسام بتماسك، أن لا أعض على شفتي، أصرخ، أو أبكي. كانت بنتا مدللة لعائلة

مجرد رجل

الوحدة حالة ذهنية متشظية، لا علاقة لها بواقع الحال وكل التجاذبات على قصعة روحك.... كانت تحدث نفسها وهي تفكر في الرجل الذي سيزور فراشها هذه الليلة بل تفكر في كل رجل يزور فراشها كل ليلة وتتحسس إتساع الحفرة في أعماقها ولا تشعر بشيء، تغلبها العبرات لكنها لا تبكي  وتحول كل طاقتها نحو الضحك بميوعة مبالغ فيها كل هؤلاء الرجال، في فراشي، في حفرتي يزيدونها إتساعا وفي وحدتي يزيدونها عمقا  وقصعة روحي لا تفرغ من وجودهم ولا أحد منهم يعرف بوجود الآخر ولا أحد فيهم يهتم بوجود الآخر ولا أحد منهم يصلح للحب والوفاء..... ثم إستطردت وما حاجتي للوفاء والحب وأنا أعاملهم جميعا بكل سادية كخرقة للمسح..... أظن أن الأمر أني أملىء منهم قصعة روحي وأجمع فتات الخبز فوق قلبي لأشبع العصافير المارة  والمهاجرة.... تأخذ مفكرتها مرة أخرى  وتخط فوقها مواعيد الأسبوع القادم، تحبس كل منهم في خانة صغيرة بحجم إسمه وجسمه أما المشاعر والأحاسيس  فهي أشياء لا تهمها، تأخذ من كل منهم حاجتها وتمر  وتمحو في اليوم الموالي إسمه وتقول أنه مجرد، رجل جاء يبحث عن لذته وأخذت ما أرادت ورحل، وتخط في مفكرتها أسماء زوار الأسبوع الفارط.. مجر

العناق

مثل الكثير من النساء والبنات أعاني من رهاب التلامس، كان يكفى أن يلمس جسمي جسم  أي رجل مصادفة حتى تتشنج عضلاته بشكل دفاعي متوتر ومؤلم يبدو الموضوع بسيطا.. لكننى كنت أعيشه كما تعشيه الكثير من النساء كإعاقة حقيقية تمنعني من الإندماج في المجموعة  والسير في الأماكن العامة والتزاحم في عالم يكاد يكون فيه التدافع الجسدي ضروريا لقضاء الحاجيات وفرض الذات. كان يعاب علي أن أكون 'فينو' فلا أتجرا على الأماكن الشعبية المزدحمة أو النقل العمومي أو التوغل في الأسواق لتفادي كابوس الهلع وآلام الشد العضلي الذي يحدثه التوتر.... كل المحاولات كانت تنتهي بالتحرك في مساحات آمنة ذات كلفة مادية. للأمان ثمن ولا بأس بذلك،  لكني توصلت أن لا ثمن يلغي الخوف هو هنا دائما، بكل ثقله حتى إن لم يكشّر عن مخالب القلق ولم يفضح نفسه بأي إستعراض عصبيّ.. كان يمكنني تفادي كل مثيرات الخوف وأحارب مسبباته دون أن أتمكن حقا من القضاء عليه.. وكحل لمجابهة أكبر مخاوفي تخيلت نفسي أدعو من غرباء إفتراضيين في حملة عناق مجانيّة.. لا يمكنني أن أسترجع حجم الإرتباك الذي أحسست به وأنا أقف مرتجفة بعصبية واضحة وسط الشارع حاملة ل