جرعة إنتحار

كأي منتحرة، لم أعامل جيدا ولم  أغسل وكان ذلك جيدا.
كنتُ أحب أن أحتفظ بكل أوساخي معى، إلى آخر لحظة ، طبعا تعرفون، القبور باردة وفارغة وظلماء ومخيفة  ويبدو أن  "الأبد" طويل وممل، 
ولقد حرصت في حياتي السابقة أن تكون أوساخي مثيرة، غنية بالتفاصيل، حتى إذا ما مت أثثت بها قبري وتسليت بمراجعتها والنم عليها.
بالرغم من موتي لم أهدأ، لم يهدأ فضولي: أحببت أن أعرف من صاحبني إلى سكني الثابت الأخير، من إحتمل مواصلات يوم الأثنين ليودعني ويلقي نظرة أخيرة أو وردة أو دمعة أو شتيمة..
كان من الصعب أن أطل بينما  جسمي موار بالتراب، جذعي مثبت، أكتافي ثقيلة، نفسي يذيق مع كل ثانية وخاصة أنني لا أحب الأماكن الضيقة لكن عنادي كان كافيا لأرفع رأسي:

تبا، هؤلاء فقط ! يبدو حقا أني كنت نكرة. ثم لم أنجح فى الإحتفاظ بالعديد من حولى..مع أنني حاولت للأمانة.

بعض الوجوه لا أعرفها، ولا أعرف لِمَ يبدو الحزن والتأثر عليهم.. غريب أمرهم البشر، لا شيء يثير عواطفهم قدر الموت.
أيها الأوغاد، كل جرائم الحياة لا تنتبهون لها، فقط يرعبكم الموت !

صادفتني إمراة بوجه مألوف تنتحب: "بالثلاثين، ماتت صغيرة"
بطرف إصبع قدمي حاولت أن أرمي حصاة في إتجاهها..
- يلعن سماك !!  أسكتي ! لا تذكري أمي بعمري!  ثم هههه لن يتحدث عن مزاياي  أحد...
سيركز الجميع بعمري فقط.
تبا!!!!
هل يمكن لإنسان أن يستمتع بلحظة واحدة، دون أن يقطعها متطفل حسن النية، جياش العواطف! 

هناك صديق يعانق إمراة لا يبان وجهها، بينما يده تنزل إلى الأسفل، أكثر ما تستحقه مواساة بجنازة .. ويبدو أنها لا تمانع ..إنتباتني رغبة  بالضحك، لكني كتمتها حتى لا أزيد مصابهم، الحزن  والخوف معا ؟ أكثر مما يحتمله البشر.

لكن من الأحسن أن ينتهي بهما الوضع إلى مكان أريح من قبر فارغ أو خلف تابوت.. حيا على الرغبة، تقتل حقا كل تهيؤاتنا الغبية، يمكنهما أن يتناكحا هنا كالقطط بينما الكل يتباكون..
أمي صامتة فى ركن منزو، لم أطل النظر إليها، أعرفها جيدا تلك النظرة العميقة  من الخذلان والعتب نسيت كم مرة، بعينها مت.
بعيدا بعض أصدقاء تبدو عليهم الجدية الثقيلة، تشبه الحزن... ولو أنها أقرب إلى الكآبة يتحادثون : عن الثورة والأدب،  وكم كان رائعا أن نكون معا.

تفوه على هذا الملل ..!

هاتفي بجانب رأسي، كإكليل ورد: المسنجر مزدحم بالرسائل، عتب وحزن  ولوعة من غرباء لا أفهمها،

شخص طريف فقط، قال : أعجبتني صورتك بالجنازة، هل يمكن أن نتعرف ؟
لكنني لست بمود جيد، لا أحب أن أتعرف على المزيد من البشر، ولست مستعدة أن أخوض علاقة عن مسافة، بين قبر وقبر..
أساسا إنتحرت لأنعم بالهدوء. عملتلو بلوك. حتى يفهم !

جسم ثقيل إرتطم بجسدي، هناك من يرميني بالطوب، يبدو أنه شيق هذا الموت !
إنتابني الضحك مجددا وبذلت جهدا خرافيا لأرفع رأسي وأكتشف المجهول :
حبيب سابق قديم، أمضينا بضع شهور معا، ثم إكتشفت أنه إبن زانية ولا يستحق....
والغريب في الأمر أنني أشرت إلى قلبه أمام الحشد وصرخت :
إبن الزانية هذا الذي أحببته وخذلني...
مالذي أتى به ؟ و كيف عرف ؟
 بدى عليه  التأثر والغضب :
 أيتها الغبية ! لماذا فعلت ذلك !! أنا لم أقصد أن أؤذيك ! أحبك، عودي إلى الحياة!! "
وكدت أصعق: هذا التافه الأحمق، لا يكفيه ما أضاعه من حياتي، ويريد أن يسرق بطولة من موتي ويرميني بالطوب أيضا !!
جمعت كل ما أملكه من جهد لأنهض، مسكت الطوبة و لحقت خلفه :
- تعال!! تعال  يا إبن الكلب !

يبدو أنه كتب علي الشقاء، فأحرم حتى من لحظة الموت.

Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف