أمومة

يهمس ملاك في أذني، كمن يخشي إيقاظ وحش:
-والأمومة هل تكتبين عنها؟؟
لا أكتب، أجيبه بنصف صوت، بينما يستيقظ الوحش في صدري ويفتح عينا واحدة، تلتقط كل الألم..

لم أكتمل أمّا، لا أعرف كيف تكتمل الأمومة داخلي، لا تنضج....
هي هنا، أستشعرها، في مشاعري، قراراتي وأفكاري، لكنها لا تكتمل، لا تستقل عنّي  ولا تفرض علي نفسها.. كما لا أقتلها  وأتحرر منها....

هذا الرجل طفل كبير، أحبه لأنه طفل لأنه كبير بما يكفي....
 من التي تستدعيه الآن ؟ الأمومة ؟ أم أنوثتي ؟
أنوثتي تقلب شفتيها قرفا، هلا إنتهينا من هذا الفيلم السخيف ؟ كل هذا إنتاج ثقافي، لا أريده.
أقول مقتنعة : لا أريده.

ثم يتسلل الحنان إلى قلبي، حنان مشوه، بطعم الملح، سلطوي ومتطلب..

تلغي الأمومة ما أحبه أكثر  في البشر: إستقلاليتهم وتفردهم في التجربة حريتهم الهوجاء لا محدوديتهم..
الأمومة إستدعاء دائم للقلق، الحذر، الرعاية، الطبطبة، التلقين، التذكير بالواجبات، سقي البيوت بالطمأنينة، إغلاق الباب عن الخطر، الإكتشاف، المجهول المحفز..
 ها هنا،  معلمة، لا تحب الإبتكار، منظمة تخشى الفوضى، مؤسسة عين لا تنام ترقب، تشرب الألم وتدفع الشر والسحر!

أنا أحب الغواية يا الله !
لم لا أكون عروس بحر، لأسحب بصوتي من أشتهيهم وتسحبهم أنوثتي  إلى صخرة الموت ما به الموت ؟ ما بها الشهوة ؟

لا أتحقق عروس بحر، لا أتحقق أما..
لا أعرف كيف أصبر على وجع طفل كبير : الحب، إحتواء
المرأة داخلي ترفض 
-الحب وقوف، ليس إتكاء، إحمل نفسك
الطفل الرجل يبكي، بينما أشعل سيجارة.. لم يجب حسم هذه المعدالات على الدوام :  أيتها القحاب المجتمعات، أي لعبة معقدة تلعبنها الآن ؟

من هي أنا الآن، البنت التي فقدت جدها  المرأة التي تحبّ رجلا؟؟ أم الأم التي لا تحتمل فقدان طفل؟ أم ذات مجرّدة تسبح في سماء الدنيا معلقة بين أزرقين، لا تحب أن ترى تفاصيل المآسي وتهرب دائما إلى الشمس، لأجل العماء اللطيف الذي يحفره الضوء في بؤبؤ العين.

الرجل في حجري أنا على الأرض الأمومة تحتضنه وتلغيني.
تلغيني! الكلبة! هل أحتاج عدوا آخر؟  وأين ؟ داخل جسدي ؟
الأمومة عدوتي التي تحب أن تلتهمني  وتطعم روحي، هذه الأفواه الكسولة المدللة المثيرة للحنان..

الأطفال الكبار يمكن مقاومتهم، لكن الرضع! تلك الكائنات الصغيرة المغوية، المستدعية للحماية في إنكسار مبتز .. "عانقيني"..
العناق.. أي عناق حقيقي، ورطة عاطفية لا أعانق أحدا.. ولا تنبعث رائحتها في دمي.......الأمومة

منذ وعيتها، لحظة عانقتني الحياة، تتكاثف في دمي كهرمون سئ، تفسد محاولاتي الصغيرة بالنجاة، تقفز بى من التعلق الطفولي إلى التعلق الأمومي مرّة واحدة، تحرمني حلمى؛ أن أتحقق مستقلة؛ أي نعمة ان أكون إمراة، أي نقمة. أن أستقبل الآخرين في جسدي، أن لا أكتمل وحدي.

كل هذه المقاومة لأجل لا شيء، تهمس أمي في أذني، ما دمت تستشعرينها  فأنت أم.
أنتفض:
 لا أريد أن أكون أما، لا أريد أن أكون أما أما.. أنا لم ألاعب دمية، لم تكن لي صديقة لصيقة، لم أهدهد طفلا، لم أعتني بحيوان....

لا أحب أن أسجن، لم تلتصق بعواطفي كصمغ سئ ولا تقتنع أنني لست الشخص المناسب لهذا الدور:

الصبر، الإنتظارات الطويلة، الغفران، الإحاطة، الإدارة، الثقة، السطوة، السلطة، تقديم الإجابات، هدهة القلق، صيد الخوف، منولوجات التأثيم، الإبتزاز العاطفي،  رسم المستقبل، حبك الحيل، التأديب، العقاب، ترويض الحيرة، الصلابة، السياسة، الحماية، الإلهام، الإطعام، الإكساء، التنظيف، المداعبة، الهدهدة، التربيت، التشجيع، المغفرة..

أنا لست أما جيدة أيتها الطبيعة، إرحميني....

كيف أتخلص من أمومة ضعيفة المستوى لا تكفي حماقات رجل، لا نوبات طفل..
كيف أصبر على هذا التشويش الدائم في مشاعر لا تصل الصفاء ولا تجيب عن الوضوح....
أي قرار يمكن أن تحمله نوبات الشك  والهذيان والمناجاة والدعاء والإبتهال  والرجاء والسخط والشتيمة والتوعد  والإنهيار.....

أنا لست أما جيدة ولا بأس بهذا، أريد فقط أن يصفى دمي و عاطفتي من أي أثر لأمومة غير مرحبّ بها أمومة ستجهض نفسها كل مرة، لعجزها.

أن أكون إمراة وأكتفي....

Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف