أليخاندرو

لا شيء مختلف هذا الصباح ، كنت أعرج نصف نائمة بحذاء بنصف كعب وأبحث بعيني عن التاكسي...
الشمس شديدة وكل سيارات التاكسي تحمل إشارة خضراء والرنين المتواصل بهاتفي يلح علي : كان يجب أن تكوني بالمكتب، كان يجب أن تكوني بالمكتب.

حاولت تجاهل كل شيء حولي وأخذت أراقب السحابة الصغيرة الهائمة في السماء؛ خيل إلي أنها قد تقرر أن تمطر بشكل منفرد، أو تباغتها الرغبة في التبول وتضطر إلى التنفيس عن نفسها..
تسللت بعيني إلى الأرض لأكتشف الضحية المرتقبة.

أليخاندرو  بكامل أناقته يركب سيارته غير آبه بالسحابة البوالة....إنتبه أنني أنظر إليه، رفعت عيني بسرعة إلى السماء، رفع عينيه بدوره، السحابة فوقه تماما، أفلتت مني ضحكة صغيرة وأنا أتخيل السحابة تتبول فوق رأسه وتبلل ثيابه الأنيقة. أحسست فورا بالذنب لهذا الشر المجانى. إبتسمت لاليخاندو معتذرة، أجابني بإبتسامة مشرقة أثارت خفقة ببطني: يا قلبي الصغير، متى تتوقف عن هذا الضعف أمام الضحكات الجميلة أجابني قلبي بخفقة أخرى....

توقف المشهد عند هذا الحد، أليخاندرو ثابت لا يصعد سيارته ولا يتوجه نحوي مكتف بإبتسامة ثابتة...
 أنا شبه نائمة وسط الطريق أبتسم ببلاهة لغريب قد يكون تاجر أعضاء بشرية، هاتفي يرن في إلحاح والسحابة مبتسمة.

من العدم، إنبثق تاكسي بعلامة حمراء.
رن اللون في ذهني، تاكسي، تاكسي..
إنتفضت مذعورة وأنا ألوح بكل جسمي: تااااكسي أيها الحقير، كيف تكسر الإضراب، تعال إلى هنا.
توقف التاكسي وسط الشارع، أليخاندرو وداعا!!!
هتف بي وسط الشارع في جسارة مثيرة للإهتمام:
- أنا أوصلك، أنا.

إنتابتني رغبة مفاجأة باللعب، منحته ضحكة كاملة وركبت التاكسي..
 تلك الإشارة أعلنت بدأ لعبة الملاحقة. الطريق إلى الشغل كان أقصر من أن تكون الملاحقة مثيرة، لكنني إستعنت بتقنية صديق يحب الملاحقات المتخيلة، وجعلت التاكسي يلف حول نفسه في أزقة صغيرة متوازية.. عدم قدرتي على التفريق بين اليمين واليسار، جعل اللعبة أكثر متعة; تمالكني ضحك حقيقي وأنا أرى سيارة أليخاندرو تدور نصف دورة حادة حتى لا تفلت مسار التاكسي.
اللفات الأخيرة كانت صعبة التمييز.. لا أثر لاليخاندرو بمرآة السيارة. وصلنا إلى المكتب.

أصابتني خيبة خفيفة لإنتهاء اللعبة ثم هززت كتفي بمكابرة طفولية، بكل الأحوال ماذا يمكن أن أرجو من أليخاندرو لا يحسن لعبة الملاحقة..
في تلك اللحظة إكتشفت أننى لا أملك المال لأدفع أجرة السائق الذي بدى غاضبا من أثر الرحلة العجيبة التى خاضها في مسافة أقصر من أن تكون جدية.
تسلحت بأوسع إبتساماتي وأعلنت له بصوت خال من أي ندم أنني نسيت محفظتي.....
قبل أن يجيب ركضت إلى المكتب لأستلف المبلغ من أحد زملائي.

حين عدت لأنقده أجرته، كان أليخاندرو مترجلا بجانب التاكسي عاقدا ذراعيه أمام صدره... ضحكت برغمي للمعة الإنتصار في عينيه.

أليخاندرو كان هنا أنيقا في أوج إنتصاره، وأنا كنت بفستان أحمر، شبه مستيقظة بمزاج رائق، تحت سماء هادئة وخالية من أي سحابة..
لكنني أخطأت الأبتسامة عن مسافة، لم تكن إبتسامة أليخاندرو لتحرك في أي شعور، متى يا قلبي الصغير تتوقف عن تخيل ما تشتاق دون مراعاة لجدية الواقع !

أليخاندرو فهم من عبارة وجهي أن اللعبة إنتهت عند ذلك الحد، صافحني بروح رياضية عالية وبإبتسامة متواضعة تمنى لي يوما سعيدا..
بدى مرتبكا وهو يصعد إلى سيارته، وقبل أن يغلق الباب رفع عينيه إلى السماء  وقال كأنما يحادث نفسه :
- أتمنى أن لا تمطر...
رفعت عيني إلى حيث ينظر، وكانت السحابة الصغيرة هناك....ثم للحظة عدت إلى الواقع، واقع طبيبة الأسنان وهي تضحك كل أربع وخمسين ثانية وزوجي تحت ألطاف يدها ....
وأنا أحاول أن أستوعب مدى جوعي ...


Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخوف

نرفين

الدين على سجيتي