لأجل أمي

كلّ محادثة هاتفيّة مع أمّي، تنتهي إلى سؤال واحد هل هناك من جديد؟؟

أتمتم بين نفسي ها قد بدأت أمي
وهنا تقصد حرفيا : هل وقع رجل في المصيدة ؟
هذا السؤال البسيط،الجميل، الطيب، الملح، الراجي، الخفيف، الثقيل، المازح، الملح، المربك،الذي يجعلني أتسأل عن معنى الوجود منذ ستة عشرون سنة إلى ما بعد الستة والعشرون..
هذا السؤال الذي يلخص ثقافة كاملة من ال"حب"، تخيلوا تلك اللعبة بين الصياد والفريسة  والمصيدة.....

يا الله ما أجمل علاقاتنا !
سؤال طيب، يسأله آلاف الأهالي الطيبون لأبنائهم وبناتهم، بشكل متواتر ..
الأهل! تعرفونهم ؟؟ إنهم أولئك الكائنات الطيبة التى إعتدنا رفقتها منذ الصغر، من إعتادوا أخبارنا بالصواب والخطأ ومدّنا بالنصح..
الأهل أيضا هم من ساهموا إلى حد كبير فى أن نكون نحن فى هذا المكان. أقصد هذه النقطة من المستنقع القذرة الكريهة
أهلنا الطيبون الذين أورثونا كلّ مخاوفهم وطموحاتهم المؤجلة وهزائمهم وعقدة الفقر الكريهة والإحباط والتقزيم وعدم الطموح، والعاطفة العنيفة.
الأهل هم أولئك الذين عاشوا فى طمأنينة معتقداتهم طوال حياتاتهم ودفعنا نحن سبب هذه المعتقدات.
الأن هم يتمتعون بالتقاعد وفخر سنوات الإستقرار ويحبون لو تتحقق آخر امانيهم وراحة البال..
 
أمي، كما أمهاتكم على الأرجح، لا تعلم شيئا عن أزمة الوجود، وقلق الإنتماء ولم تتسائل يوما حول الهويّة الجنسية،  ومشاكل العجز والنشوة وتبادل الأدوار..
لم تنجز ألف لعبة حول نوع شخصيتها،  ولم تزر الطبيب النفسي والعرافات ولم تقرأ ألف مقال بسبب وهم أنها تستطيع أن تكتشف ذاتها و تملء ذلك الفراغ الخفيف الذي تلاحقه كل المحاولات ولا يمتلء....
أمي الجميلة كما أمهات البعض لا تملك فيس بوك ولا أنستغرام ولا شئ من هذا القبيل ...

بريئة أنتِ كمريم العذراء يا أماه ...ما أجملكي..
أمي لم تعرف متاهات العلاقات، ورغم كل ما عاشته لم تجعل له سيرة وعلما  وسياسة.. ولم تضع بمتاهات ضاربة في القدم والتفاهة.
  لم تحفض دروسا حول المهارات الأجتماعية ومشاكل الأمساك العاطفي  ورهاب الأرتباط..
 أمي لا تتخيل حتى حجم الأذى بحضن شخص خطأ،  كم هو مكلف طلاق واحد...
أمي التي تعرف كل شيء تقريبا، لم تعرف معني الإيذاء  ولازلت تسأل كطفلة :
هل ستتزوجين بذات بساطة هل ستتطبخين اليوم ؟؟

وأنا لا أعرف أن كنت سأطبخ اليوم، لكننى أعرف أن الزيتون ، أساس الاكل الصحي، مقطوع من السوق والطماطم غالية جدّا وأنه ربما أطبخ لان حالات التسمم نتيجة الأكل صارت رائجة...

وأعرف إن قمت بالطبخ فيلزمني أن أبتكر أكلة بلا طماطم أو بطاطا وتكون خفيفة قليلة الدسم وحارة كما احبّها وساخنة لأجل هذا البرد..

كما لا اعرف أن كنت أريد الزواج..
لكنّي أعرف أن الثقة بين الأشخاص صارت أكثر ندرة من البطاطا.

إن الهواء صار مشحونا بالعنف والكلمات صارت مذببّة.
وإن يمكن لأصغر علاقة أن تستهلكا عمرا..
 أعرف أنني أعاني خللا واضحا فى علاقتى مع الواقع، أن علاقاتي الإجتماعية أغلبها إفتراضية أو متوهّمة، إن قدراتي فى التواصل محدودة جدّا، إن ثقتى كإمراة نشيطة فى مجالات الحياة يعادلها قلق مزمن وخوف مشل وإرتباك عاطفي أزجره بعنف...

لا أعرف إن كنت سأتزوج، لكن اعرف أن أمي لا تعرف ما معنى الزواج ولا تدرك ما تسأل عنه.

هل تقصد، أن أربط حياتى المضطربة الهشة بحياة أخرى مضطربة هشّة وأتحمل دوار حياتين هشتيّن يربطهما جسر يقف فوقه كل أفراد العائلة السعيدة ؟؟؟ وأن أحسّ بالسعادة لأجل ذلك ؟؟

هل تقصد أن أضحّي بإستقلاليتي لأتحوّل إلى أجيرة فى النهار وعاملة نظافة  وممرضة وطاهية ومربيّة ومحللة نفسية وأتخلّى عن فسحتى الوحيدة فى الحفاض على ما بقي من وقتي والقليل   من سلامة عقلي؟
هل يعنى ذلك أن أعطي جسدي إلى رجل يعتقد أنه ليس  من الضروري مشاركتي المتعة وأن وجودي بديهي مجاني مفروغ منه ؟؟
هل يعنى ذلك أن تصبح نوبات قلقى لا مبررة سخيفة، بدعوى أنني صرت فى أمان رجل؟؟
هل يعنى أن أتحوّل للعدم بوقت كامل؟؟  أنسى تلك المرأة الجامحة التى كنتها  وأضحّي  بكل وقت لعائلتي، بينما ضيف خفيف يأكل ويشرب ويمارس إبداعه  وأرقيه حبي وصبري ؟؟ و أمتن ؟؟؟؟!!!!

سأطبخ اليوم، و لبقية حياتي  لأن شربة العدس متوفرة وسهلة وصحية ودافئة مع أنني لم أحب العدس يوما لكنني إكتشفت مؤخرا أنه يمنع من تساقط الشعر ..
ولا أعتقد أني سأتزوج في الأيام القادمة ..  وإن حدث، فقطعا ليس رضوخا لهرسلة طيبة وللابتزاز الرخيص: الأمومة مقابل الحرية ولا خوفا من شيخوخة وحيدة.. ولا لأجل وهم بالأمان يحرمني قلقي الحبيب.

ولا حتى لأجل برنامج السكن الأول ولو أنها فكرة طيبة .. ولا لأجل رتق سمعتي السيئة..
سيكون فقط لأنني ألتقيت رجلا دافئا  ولذيذا كشربة عدس حارة بطقس بارد.  لأنني أمل وأرغب بحماقة لأقاوم الضجر..

Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخوف

نرفين

الدين على سجيتي