الوحدة

حين أغلقت الباب خلفه في تلك المرّة، كانت تدرك جيّدا أنه لن يعود منذ أسابيع وهي تطالب برحيله بعد أن أعلن القاضي طلاقهما كانت مقتنعة تماما أنها لا تريد العيش معه لما تبقّى من حياتها.
لطالما أرعبتها الفكرة أن تعيش مع شخص واحد مدى الحياة.

المنفظة فوق الطاولة لازالت تحمل دفئ سيجارته، آثار مؤخرته على الأريكة لم تختفي، عطره في الجو ريمود التلفاز لازال حيث تركه.

لقد رحل لوهلة توقف كوكب الارض توقف طلق النار، توقفت الآلات الحاصدة، تجمّدت ينابيع الماء، تعلقت الضفدعة بين فضاء وهواء، تجمّدت قطرات المطر وهي تنزل سكن الكون وبدى محرّك السيارة صارخا وهي تتحرك من ركنها المعهود  وتنطلق في طريق لا نهاية له.
لقد رحل...

رنة الولاعة، كانت الإشارة الخفية للكون ليعمل مجددا كل شئ عاد إلى حركته. ليس بشكل طبيعي تماما، ببطئ ناعم، تحبّه نفسها.

أشعلت السيجارة
يجب أن تشعر بالإرتياح الآن بالتحرر. بالخفّة بالإثارة.
البرد وحده يتسلل إلى أطرافها.
حملت نفسها من مقعدها وجلست حيث كانت مؤخرته على الأريكة ،سرى بجسدها ما كان دفئه...

-مراحل إنتهاء العلاقات:
 أوك "غوغل"
-كيف الغضب، أخر مراحل الشفاء.
-ماذا علي أن أفعل للتخلص من الغضب
أوك "غوغل"
-دراسة أمريكية حول الغضب، يجب أن نعبّر عن مشاعرنا السلبية
أخذت المنفظة ورمتها بحماس فاتر على الأرض لم تنجح في كسرها.
-درجة الحرارة
أوك "غوغل"
-17 درجة
-الأماكن المشمسة في هذه الفترة من السنة
-لا أفهم سؤالك
-إِنس الأمر
-فيلم للمخرج أرنست هوبي أنتج سنة 1942.
-كم من شخصين ينفصلان الأن
 أوك "غوغل"
-دراسة أمريكية 70% من الأشخاص حول العالم ينفصلون قبل مرور سنة من علاقتهم....٠ الباقون بعد خمس سنوات
-كيف تصنع الشكولاتة الساخنة؟
رنة رسالة بهاتفها لم تهتم.

نظرت إلى مكان الصور الفارغ بالحائط.
لا داع للتوقف عند هذه التفاصيل، أخبرها عقلها.
غدا ستكون هناك صور جديدة كل الصور التي تتسارع في ذهنها، لا تجعلها تشيح بنظرها عن الحائط.
ذهنها يلح بالأفكار وهي تلح بتجاهله، لقد بدى الأمر مضحكا حين قررا الإنفصال.. كان وعدا بحياة ومغامرات جديدة، لم لا تحس بالحماس كما أحسته لحظة أعلن القاضي طلاقهما....
لقد شربت كثيرا يومها، غامرها إحساس رائع بالشباب والإنتصار.
سألها القاضي لم تريدين الطلاق وأجابته بصراحة: - لا أحب الزواج يخنقني
وبدى القاضي متفهما وإبتسم زوجها  وأجابت إبتسامته.
كانت المحامية مستغربة نوعا ما حتى إستغرابها بدى مضحكا ومبهجا.
هناك الكثير لتفعله هي لا تزال شابة  ومفعمة بالطاقة.
البيت يبدو أوسع الإمكانيات، الحياة..

الصمت ثقيل جدا بالمنزل.
هي وحيدة تماما مجددا.
وحيدة كما كانت دوما.
هذا ما كانت تريد أن تسترجعه، ما لم تطق العيش بدونه، ما لم تكن ذاتها بعيدا عنه..
إحساسها التوأم، الإحساس المؤلم والأليف الذي صاحبها منذ ولادتها..
بدى لها كل ذلك منطقيا تماما ومعقولا..
تناولت هاتفها تسأله مجددا عن الوحدة  وإنتبهت إلى الورقة الصغيرة المطوية بعناية فوق الطاولة..

"أتمنّى أن لا تعرفي أبدا الإحساس الذي سرقته.
وأن تنمو الوحدة التي غرستها بقلبى عظامك حتى بعد الموت.. أحبّك"

خيل إليها أن رائحة التبغ تغزو المكان، عطست وكحّت.. دمعت عيناها
بيد متعبة رمت الورقة وأمسكت رأسها بين يديها.
 لم تكن تعرف، لم يخبرها أحد، أن الوحدة أيضا معدية....

Ons Bn Essayed  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف