ولي صالح
#ولي_صالح
في "جِناتنا" القديمة يوجد قبر لجثة مباركة، يقال بأنه من الاولياء الصالحين.
"سيدى بوصاع"، إسمه كان مضحكا ولكنه بدى جديّا للعديد وخاصة الليبين يأتون من ليبيا إلى تونس تحديدا إلى مدينتنا الصغيرة حتى أهل مدينتي كانو يأتون لأجله من أسقاع بعيدة يشقّون أرضنا دون إستئذان محملين بهدايا لم يكن لنا فيها نصيب وشموع يطفؤونها قبل رحيلهم، وأدعية أشبه بالأغاني لم نعرف كيف نحفظها ولم يدعوننا يوما لغنائها.
ذلك القبر النحس، جلب لنا العديد من الغرباء دون أن يكسر وحشتنا المثمرة.
أنا وهي كنّا عازمتين أن يستجيب ذلك الولي إلى دعواتنا عنوة ويبجّلنا على الغرباء الآخرين. قبره بأرضنا، وحشته تسدل أذرعها على شبابيك غرفنا وتمنع عنا روائح الجنان المُسكرة.....
غربائه لا يبالون ولا يعلون ولا يلقون السلام ولا يتأخّرون بالتحيّة لفساتيننا القطنية المرميّة فوق أجسادنا الكسولة المهملة.....
حياتنا غارقة في صمت خشن يلفّ كلّ ما حدث لا أحد يهتمّ لنا...
مآسينا التي إستمتنا في تصويرها وتلوينها تغسلها رطوبة الليل وتمحى فجرا كان لم يكن.
ضحكاتنا الحادّة التي تتهاتف لأجل قطع الصّمت، كانت تسقط قبل أن تعبر سقف الغرف المغلقة.
الغرف المغلقة كانت تمتدّ وتفتح وتغلق وتتزلزل، ثمّ تهدأ ساكنة ومغلقة.
هناك أمر عجيب، يمتصّ كل شيء.
كل صباح، كنّا نسائل أنفسنا بدهشة، كيف وصلنا إلى هنا ؟ ثم ننسى السؤال،ونغرق في الصمت...
كل شئ كان كذبة،غير حقيقي، لم نكن متأكدين حقّا.
لكن لعنة ما كانت أكيدة ولم يكن الأمر يحتاج إلى تفسير.
ذلك القبر، جلب لنا النّحس....شامخ بحجرات لثلاث ترسم حدود حرمته، حرمة الموت التي تسحب حياة الجنان و تمتصّها.
قررنا أنا وهي..أن ندعوه
كانت طقوسنا نسخة هزيلة عن طقوسهم لكنها مبتكرة، مشينا حوله وهممنا بالدّعاء، ثم ضحكنا...
حقّا حاولنا أن نركّز بمآسينا المصوّرة، بالحديث المخزّن بالغرف المغلقة، بأمهاتنا.....
دعونا لأبوينا دعوات ضاحكة أكثرها إستخفاف..ثم إسترسلنا في الضحك..
"أيها القبر المنحوس إختفي، ولا تستجب لدعائنا، لا تستجب.
ولتحلّ لعناتك الغبيّة على أرضنا طالما أنك تثقلها بموتك السّخيف..."
لا أعرف كيف ولم إنهمرت كراهيتنا سخيّة صافية، ونزلت بالقبر المسكين، لعناتنا الصّاخبة.
أي شعور لذيذ بالشرّ..
كم كان ضحكنا حرّا ولذيذا، ونحن نرفع فساتيننا لنعرّي أرجلنا في حضرة الميت العاجز الذي كان مستعدّا لإنهاء أحزاننا ويمنح أرواحنا الحاقدة الشريرة، السكينة والصبر!!
السكينة والصبر !! أرّاك حزين !
هكذا كنّا نضحك ونحن نلقي بشموعه بعيدا.. ونغيّر مكان الحجرات..
كم تعرّقنا من نشوة الشر.. وبانت فجأة أحزاننا جليّة واضحة الأثر: أيها الولي المنحوس! يا وجه القبر.
في الأيام التي تلت طقوسنا الشيطانيّة، لم يحدث شئ.
زوّاره القذرون كانوا يشقون أرضنا دون إذن ولم يعد ذلك يزعجنا.
لم يلقوا التحيّة ولم ننتظرها وتوقفنا عن إنتظار أي حديث غير ممكن.
وتوقفنا عن التعجب والدهشة لطقوسهم الغبية وشجنهم المزيف.
وتوقفنا عن محاولة تحديد ما يحدث، وإستوى عندنا أن يكون العالم حقيقيا أو شبه حقيقي....
وبقيت الغرف مقفلة على أسرارها الرخيصة التي لا تستحق الذكر.
نظرة واحدة إختلفت بأعيننا، كأنه إكتشاف مشترك: مآسينا لم تختفي، لم تذب، لكنّه شفاف لون كل المآسي ولا قدرة لنا أكثر من الصبر....
منذ تلك النظرة، توقّفنا عن المراقبة.
وذاب الجنان داخل نفسه.كأنه إختفى..
Ons Bn Essayed
في "جِناتنا" القديمة يوجد قبر لجثة مباركة، يقال بأنه من الاولياء الصالحين.
"سيدى بوصاع"، إسمه كان مضحكا ولكنه بدى جديّا للعديد وخاصة الليبين يأتون من ليبيا إلى تونس تحديدا إلى مدينتنا الصغيرة حتى أهل مدينتي كانو يأتون لأجله من أسقاع بعيدة يشقّون أرضنا دون إستئذان محملين بهدايا لم يكن لنا فيها نصيب وشموع يطفؤونها قبل رحيلهم، وأدعية أشبه بالأغاني لم نعرف كيف نحفظها ولم يدعوننا يوما لغنائها.
ذلك القبر النحس، جلب لنا العديد من الغرباء دون أن يكسر وحشتنا المثمرة.
أنا وهي كنّا عازمتين أن يستجيب ذلك الولي إلى دعواتنا عنوة ويبجّلنا على الغرباء الآخرين. قبره بأرضنا، وحشته تسدل أذرعها على شبابيك غرفنا وتمنع عنا روائح الجنان المُسكرة.....
غربائه لا يبالون ولا يعلون ولا يلقون السلام ولا يتأخّرون بالتحيّة لفساتيننا القطنية المرميّة فوق أجسادنا الكسولة المهملة.....
حياتنا غارقة في صمت خشن يلفّ كلّ ما حدث لا أحد يهتمّ لنا...
مآسينا التي إستمتنا في تصويرها وتلوينها تغسلها رطوبة الليل وتمحى فجرا كان لم يكن.
ضحكاتنا الحادّة التي تتهاتف لأجل قطع الصّمت، كانت تسقط قبل أن تعبر سقف الغرف المغلقة.
الغرف المغلقة كانت تمتدّ وتفتح وتغلق وتتزلزل، ثمّ تهدأ ساكنة ومغلقة.
هناك أمر عجيب، يمتصّ كل شيء.
كل صباح، كنّا نسائل أنفسنا بدهشة، كيف وصلنا إلى هنا ؟ ثم ننسى السؤال،ونغرق في الصمت...
كل شئ كان كذبة،غير حقيقي، لم نكن متأكدين حقّا.
لكن لعنة ما كانت أكيدة ولم يكن الأمر يحتاج إلى تفسير.
ذلك القبر، جلب لنا النّحس....شامخ بحجرات لثلاث ترسم حدود حرمته، حرمة الموت التي تسحب حياة الجنان و تمتصّها.
قررنا أنا وهي..أن ندعوه
كانت طقوسنا نسخة هزيلة عن طقوسهم لكنها مبتكرة، مشينا حوله وهممنا بالدّعاء، ثم ضحكنا...
حقّا حاولنا أن نركّز بمآسينا المصوّرة، بالحديث المخزّن بالغرف المغلقة، بأمهاتنا.....
دعونا لأبوينا دعوات ضاحكة أكثرها إستخفاف..ثم إسترسلنا في الضحك..
"أيها القبر المنحوس إختفي، ولا تستجب لدعائنا، لا تستجب.
ولتحلّ لعناتك الغبيّة على أرضنا طالما أنك تثقلها بموتك السّخيف..."
لا أعرف كيف ولم إنهمرت كراهيتنا سخيّة صافية، ونزلت بالقبر المسكين، لعناتنا الصّاخبة.
أي شعور لذيذ بالشرّ..
كم كان ضحكنا حرّا ولذيذا، ونحن نرفع فساتيننا لنعرّي أرجلنا في حضرة الميت العاجز الذي كان مستعدّا لإنهاء أحزاننا ويمنح أرواحنا الحاقدة الشريرة، السكينة والصبر!!
السكينة والصبر !! أرّاك حزين !
هكذا كنّا نضحك ونحن نلقي بشموعه بعيدا.. ونغيّر مكان الحجرات..
كم تعرّقنا من نشوة الشر.. وبانت فجأة أحزاننا جليّة واضحة الأثر: أيها الولي المنحوس! يا وجه القبر.
في الأيام التي تلت طقوسنا الشيطانيّة، لم يحدث شئ.
زوّاره القذرون كانوا يشقون أرضنا دون إذن ولم يعد ذلك يزعجنا.
لم يلقوا التحيّة ولم ننتظرها وتوقفنا عن إنتظار أي حديث غير ممكن.
وتوقفنا عن التعجب والدهشة لطقوسهم الغبية وشجنهم المزيف.
وتوقفنا عن محاولة تحديد ما يحدث، وإستوى عندنا أن يكون العالم حقيقيا أو شبه حقيقي....
وبقيت الغرف مقفلة على أسرارها الرخيصة التي لا تستحق الذكر.
نظرة واحدة إختلفت بأعيننا، كأنه إكتشاف مشترك: مآسينا لم تختفي، لم تذب، لكنّه شفاف لون كل المآسي ولا قدرة لنا أكثر من الصبر....
منذ تلك النظرة، توقّفنا عن المراقبة.
وذاب الجنان داخل نفسه.كأنه إختفى..
Ons Bn Essayed
تعليقات
إرسال تعليق