سيكولوجية الخضوع


كل شخص في هذا العالم له سمات وخصائص يتفرد بها عن غيره، وتشكل هذه السمات والصفات جوهر شخصيته وبناءه الذاتي النفسي الذي يتحرك فيه بعلاقته مع الآخرين .
والسلوك الناتج عن هذه الشخصية له علاقة بهذا البناء فإما أن يكون سلوكا وسطيا معتدلا تقليديا  .. أو يكون تجاوزا لهذه الوسطية والاعتدال، إما باتجاه الطغيان ضد الآخرين، أو بالخنوع والانهزام لهم. ويحمل الأخير (الخاضع المهزوم) بين جنباته نفسا متصدعة آيلة إلى السقوط والانهيار في أي لحظة.
لذا يحاول أن يجد متكأ يتكئ عليه ليسنده من هذا الوقوع والانزلاق.. فلا يجدها في داخله (ذاته) فيبحث له عن مصادر قوة من الخارج ليقوي بها هشاشة ذاته.. فيلجا للتعلق بالغير، إما عبر التقليد، أو التوحد به..
وهذا التعلق بالغير النابع من الدونية، يولد الرغبة في الخضوع والخنوع له، كحاجة ومتطلب نفسي أساسي وضروري ليهرب من العجز النابع من ضعف الذات، إلى القوة النابعة من الالتصاق بالأخر.. بأي شكل من الأشكال.. سواء بالتبعية أو التوحد أو الاندماج.
وبذلك يخرج من إطار الإرادة، إلى إطار الذلة والخنوع والهوان. وشخصية الخانع المهزوم أقرب ما تكون في علم النفس إلى الشخصية (المازوخية) التي تبحث عن شخصية (سادية) تحقق بها ومن خلالها استمرار بقاء شخصيتها المتصدعة، حيث تجد هذه الشخصية المازوخية في الرضى والخنوع والتسليم، وفي سلب حريتها وإرادتها لصالح الشخصية السادية، اللذة والانسجام فيما يفرض عليها من ألم وعذاب..

لأن هذه الشخصية تحاول بهذا السلوك التبعي أن تحل التناقض القائم في ذاتها بين السادية والمازوجية بمزيد من الهروب من الحرية وكلفتها إلى العبودية.. فتتخلى طائعة عن بعض حرياتها أو كلها من أجل حل هذا التناقض.. وبذلك يحول الخانع المهزوم السادية فيه، إلى مازوخية تتلذذ بقبول ألم العبودية. وبهذا يرسم المهزوم معالم المازوخية فيه، بالقبول برضى واستسلام وبلذة أحيانا، بما يوقع عليه من ألم من قبل الآخرين، ويشعر بأن ذلك الألم هو شيء طبيعي لا يجب أن يتذمر منه، بل عليه أن يرضى ويسلم ويقبل به طائعا، لأنه خلق لذلك، وأن هذا هو دوره بأن يكون هو الخاضع دوما، الذي يبحث عن سيد، يقدم له الخنوع والخضوع والطاعة والتسليم، وبالتالي لا ينفعه أن يكون حرا.
وبذلك يحل هذا التناقض المسكون في ذاته وكيانه. ويصبح مؤمنا بان أقصر الطرق لراحة الذات، أن يكون خانعا مهزوما أمام الغير..وبهذا الخنوع ينقذ نفسه من الصراع الدائر فيها. وبالتالي فان ذات المهزوم تبحث عمن يوفر لها هذا المطلب، حتى إذا وجد المهزوم طاغيا أو باغيا، يحقق له ما يريد من ذل وخضوع وخنوع.. فانه الهدف المنشود..لأن هذا الطاغية بالنسبة له مطلب ومبحث يجد راحته فيه..فهو يمثل له القوة التي يشعر في الخنوع والخضوع لها بالأمن والأمان، لأنه يشعر أن ذاته لا تحقق له هذا الأمن والأمان. إن ذات المهزوم ممزقه..فهو يعيش بين رغبتين..رغبة السيطرة، ورغبة الخضوع..ويحاول دوما أن يوفق بين هاتين الرغبتين.. اللتان تتنازعان ذاته..واللتان بتنازعهما وصراعهما يولدا لديه انقساما، تجعله ممزقا بين الخنوع والخضوع لمن هو أقوى منه وأقدر ليستمد منه سيطرته وقوته..وبين السيطرة والتحكم بمن يشعر بأنهم أدنى منه، فيسعى لكبتهم وممارسة القسوة والعنف ضدهم.. وهو في كلا الأمرين يدمر ذاته وكيانه الداخلي، وتضيع من ذاته استقلالها ووحدتها، مما يقوده إلى مزيد من الضعف والعجز والهوان.
 Ons Bn Essayed

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إرتجاج في المخ

لأجل أمي

الخوف